السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذا الزائر الذي لابد أن يزور كلاً منا ولكن لم ولن يزورك بعده أحدا أبدا
فهو زائر سيزورك ولن ترى بعده في هذه الحياة الدنيا أحدا
إنه الحق وربي
وهو نهاية كل إنسان
فكل منا سيمر عليه هذا اليوم .. شئت أم أبيت
ستستقبل هذا الزائر الذي يأتي دون إذنك ويطرق بابك ويدخل دون أن تفتح له
سيراه كل منا ويستقبله كل منا
القوي والضعيف ,الغني والفقير, الظالم والمظلوم,القاسي والحنون, الكافر والمؤمن
فهو لن ينسى أحدا
فهو موكل بأن يقبض كل من على هذه الأرض
وله مع كل منا موعد ولقاء يأتي إليه ليأخذه من الأهل والأحباب
يأتي ليكون منزل كل مننا تحت التراب
وهناك إما الجنة و إما النــار
إما ان تجب عن أسئلة منكر ونكير و إما يغيب عنك الجواب
ولا تجد مفر ولا ملاذ
ومهما فعل كل من أحبوك فلن تعود
يرتفع عليك البكاء والنحيب
وتسمع بكاء البعيد وترى دهشة القريب
والجميع في خوف وذهول رهيب
فالموت لا ينسى أحدا
فقد يأتي إلى الصغير قبل الكبير والى المعافى السليم قبل العليل
فنجد لاعب الكرة سقط فجأة على الأرض فلم ينفعه بنيانه الشديد فالله لم يكتب له العمر المديد وجاءه الذي لا أحد عنه
يغيب
وهذا الشاب الوسيم الذي عمره ما زال صغير ينام على فراشه سعيد ويأتي ملك الموت إليه دون سابق إنذار ويأخذه من
الأهل والحبيب
وهذا الطفل الرضيع الذي لم يُكتب له من العمر إلا القليل
وهذا وذاك كل له عمر كتبه له الله الواحد القدير
فيقول تبارك وتعالى
بسم الله الرحمن الرحيم
"كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا
مَتَاعُ الْغُرُورِ" آل عمران 185
تفسير بن كثير
يُخْبِر تَعَالَى إِخْبَارًا عَامًّا يَعُمّ جَمِيع الْخَلِيقَة بِأَنَّ كُلّ نَفْس ذَائِقَة الْمَوْت كَقَوْلِهِ تَعَالَى " كُلّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْه رَبّك
ذُو الْجَلَال وَالْإِكْرَام "
فَهُوَ تَعَالَى وَحْده الَّذِي لَا يَمُوت وَالْجِنَّ وَالْإِنْس يَمُوتُونَ وَكَذَلِكَ الْمَلَائِكَة وَحَمَلَة الْعَرْش وَيَنْفَرِد الْوَاحِد الْأَحَد الْقَهَّار
بِالدَّيْمُومَةِ وَالْبَقَاء فَيَكُون آخِرًا كَمَا كَانَ أَوَّلًا وَهَذِهِ الْآيَة فِيهَا تَعْزِيَة لِجَمِيعِ النَّاس فَإِنَّهُ لَا يَبْقَى أَحَد عَلَى وَجْه الْأَرْض
حَتَّى يَمُوت فَإِذَا اِنْقَضَتْ الْعِدَّة وَفَرَغَتْ النُّطْفَة الَّتِي قَدَّرَ اللَّه وُجُودهَا مِنْ صُلْب آدَم وَانْتَهَتْ الْبَرِيَّة أَقَامَ اللَّه الْقِيَامَة وَجَازَى
الْخَلَائِق بِأَعْمَالِهَا جَلِيلهَا وَحَقِيرهَا قَلِيلهَا وَكَثِيرهَا كَبِيرهَا وَصَغِيرهَا فَلَا يَظْلِم أَحَدًا مِثْقَال ذَرَّة
وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى " وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُوركُمْ يَوْم الْقِيَامَة " وَقَوْله " فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّار وَأُدْخِلَ الْجَنَّة فَقَدْ فَازَ " أَيْ مَنْ جُنِّبَ
النَّار وَنَجَا مِنْهَا وَأُدْخِلَ الْجَنَّة فَقَدْ فَازَ كُلّ الْفَوْز
قَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الْأَنْصَارِيّ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو بْن عَلْقَمَة عَنْ أَبِي سَلَمَة عَنْ أَبِي
هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَوْضِع سَوْط فِي الْجَنَّة خَيْر مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا اِقْرَءُوا إِنْ شُئِمَ " فَمَنْ
زُحْزِحَ عَنْ النَّار وَأُدْخِلَ الْجَنَّة فَقَدْ فَازَ " هَذَا حَدِيث ثَابِت فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ غَيْر هَذَا الْوَجْه بِدُونِ هَذِهِ الزِّيَادَة . وَقَدْ رَوَاهُ
بِهَذِهِ الزِّيَادَة أَبُو حَاتِم وَابْن حِبَّان فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْرَكه مِنْ حَدِيث مُحَمَّد بْن عَمْرو . هَذَا
وَقَوْله تَعَالَى " وَمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاع الْغُرُور " تَصْغِير لِشَأْنِ الدُّنْيَا وَتَحْقِير لِأَمْرِهَا وَأَنَّهَا دَنِيئَة فَانِيَة قَلِيلَة زَائِلَة كَمَا
قَالَ تَعَالَى " بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاة الدُّنْيَا وَالْآخِرَة خَيْر وَأَبْقَى " وَقَالَ " وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْء فَمَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا وَزِينَتهَا
وَمَا عِنْد اللَّه خَيْر وَأَبْقَى " .
وَفِي الْحَدِيث " وَاَللَّه مَا الدُّنْيَا فِي الْآخِرَة إِلَّا كَمَا يَغْمِس أَحَدكُمْ أُصْبُعه فِي الْيَمّ فَلْيَنْظُرْ بِمَ تَرْجِع إِلَيْهِ "
قَتَادَةُ فِي قَوْله تَعَالَى " وَمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاع الْغُرُور " قَالَ : هِيَ مَتَاع مَتْرُوكَة أَوْشَكَتْ وَاَللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ أَنْ
تَضْمَحِلّ عَنْ أَهْلهَا فَخُذُوا مِنْ هَذَا الْمَتَاع طَاعَة اللَّه إِنْ اِسْتَطَعْتُمْ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاَللَّهِ .هكذا نجد أن الموت هو نهاية كل إنسان
فقد مات سيد الخلق أجمعين سيدنا مُحمد صلى الله عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام
ولابد علينا أن نتعظ فاليوم أنت حامل وغدا ستكون محمول
فاليوم أنت تصلي وغدا سيُصلى عليك
أين الجبابرة الشداد!
أين الفراعنة أين عاد وثمود!
فهم اليوم تحت التراب حيث مواطن الدود وضيق اللحود
فليعلم كل منا أنه سيأتي عليه هذا اليوم الذي يفارق فيه كل من على هذه الأرض ويتركها بحلوها ومرها وجميلها
وقبيحها
سيترك كل ما فيها فما هي إلا متاع الغرور
ويذهب هناك حيث الخلود
فأعمل أخي قبل أن يأتي اليوم الذي تقول فيها نفسك (يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله)
فلنعمل.... سيأتي يوم يطوي الله عز وجل فيه السماوات والأرض
فعن ابن عمر رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يطوي الله السماوات يوم القيامة ,ثم يأخذهن بيده
اليمنى ,ثم يقول :أنا الملك ,أين الجبارون ؟أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرضين ,ثم يأخذهن –قال ابن العلاء- بيده
الأخرى,ثم يقول :أنا الملك ,أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟)
أين الجبارون؟
أين المتكبرون؟
آسفة أحبتي إن كنت قد آلمتكم بكلامي هذا
ولكن يقول النبي صلى الله عليه وسلم(أكثروا ذكر هادم اللذات)يعني الموت .ورواه الترمذي
وقال :حديث حسن.
فلابد أن نتذكره ونعمل له فذكر الموت يجعلك تقبل على الأعمال الصالحة ويجعلك تخشى من المعصية وهو يلين القلب
فلقد شكت أمراه إلي السيدة عائشة رضي الله عنها قسوة قلبها فنصحتها بذكر الموت فهو يلين القلب
فلنعمل بجد لهذا اليوم فإذا جاءنا فلا نرجع أبدا
فيقول تعالى(فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُون)َالنحل 61
ويقول تعالى(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ
الخاسرون*وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ
وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ*وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)المنافقون 9- 11
ويقول تعالى(وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ)ق 19
أحبتي للموت سكرات فهذا سيدنا مُحمد صلى الله عليه وسلم يمسح العرق بيمينه ويقول ألا إن للموت سكرات
اللهم هوّن علينا سكرات الموت
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال:أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال:(كن في الدنيا كأنك غريب أو
عابر سبيل)وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول:إذا أمسيت ,فلا تنتظر الصباح,وإذا أصبحت فلا تنتظر
المساء,وخذ من
صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك.رواه البخاري.
لابد أن يضع كل منا في حسبانه أنه سيأتي عليه يوم ويقف بين يد الله ليس بينه وبينه حجاب
ففي الحديث القدسي
حدثنا عبد الله بن مُحمد ,حدثنا أبو عاصم النبيل ,أخبرنا سعدان بن بشر,حدثنا أبو مجاهد,حدثنا محل بن خليفة
الطائي,قال:سمعت عدي بن حاتم ,يقول:كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه رجلان:أحدهما يشكو
العيلة,والأخر يشكو قطع السبيل,فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(أما قطع السبيل فإنه لا يأتي عليك إلا
القليل ,حتى تخرج العير إلى مكة بغير خفير,وأما العيلة فإن الساعة لا تقوم حتى يطوف أحدكم بصدقته,لا يجد من
يقبلها منه,ثم ليقفن أحدكم بين يد الله,ليس بينه وبينه حجاب ولا ترجمان يترجم له,ثم ليقولن له:ألم أُوتك
مالا؟فليقولن:بلى,ثم ليقولن,ألم أُرسل إليك رسولا؟فليقولن:بلى,فينظر عن يمينه,فلا يرى إلا النار ,ثم ينظر عن
شماله,فلا يرى إلا النار,فليتقين أحدكم النار ,ولو بشق تمرة,فإن لم يجد فبكلمة طيبة)
فليتذكر كل مننا وقوفه بين يد الله عز وجل
وبعد ذلك سيكون مكانك إما في الجنة نسأل الله وإما في النار نستعذ بالله
وهناك سيكون هذا المشهد
فإذا أدخل الله أهل الجنة الجنة,وأهل النار النار,قال:أُتي بالموت,فيوقف على السور الذي بين أهل الجنة ,وأهل
النار, ثم يُقال:يا أهل الجنة,فيطلعون خائفين,ثم يُقال:يا أهل النار,فيطلعون مستبشرين,يرجون الشفاعة,فيُقال لأهل
الجنة,وأهل النار:هل تعرفون هذا؟فيقولون:هولاء,وهولاء,قد عرفناه-هو الموت الذي وُكل بنا , فيُضجع,فيُذبح ذبحا
على السور الذي بين الجنة والنار, ثم يُقال:يا أهل الجنة,خلود,لا موت,ويا أهل النار,خلود لا موت.قال الترمذي-رحمه الله-حديث حسن صحيح.
إما خلود في الجنة أما خلود في النار فلا موت يومئذ
اللهم أرحم موتانا وموتى المسلمين
اللهم أنر قبورهم ,وسع مدخلهم,أغسلهم بالماء والثلج والبرد
اللهم المسيء منهم تجاوز عن سيئاته والمحسن منهم زد في حسناته
اللهم أبدلهم دارا خيرا من دارهم وأهلا خيرا من أهلهم وأزواجا خير من أزواجهم
اللهم أنزلهم منزلا مباركا وأنت خير المنزلين
اللهم أنقلهم من مواطن الدود وضيق اللحود إلى جنات الخلود
اللهم ارحمنا إذا صرنا إلى ما صروا إليه
بالماء غسلونا وعلى الأكتاف حملونا وتحت التراب وضعونا
فكن وكيلنا يومها يالله ولا تتخلى عنا
اللهم أجعل قبورنا روضة من رياض الجنة ونعوذ بك أن تكون حفرة من حفر النيران
اللهم ارحمنا إذا نُسي أسمنا
اللهم
آمين
آمين
آمين
الموضوع الاصلي
من روعة الكون