|
|
|
|
في الحظة التي أبلغ فيها ديف ماراش أصدقاءه وزملاءه بعمله الجديد، بدأت الأسئلة: من؟! كانوا يتساءلون بتشكك: ولماذا؟! وبعد 9 أشهر، لا يزال يسمع تلك الأسئلة ـ وتبين ان الاجابة عن السؤال الأول أمر بسيط.
ففي فبراير (شباط) الماضي، أصبح ماراش، وهو إذاعي طوال منذ مدة بعيدة، مقدم نشرة أخبار «الجزيرة انغليش» من واشنطن، وهي الفرع الانجليزي من شبكة الأخبار التلفزيونية العربية. وعندما بدأت «الجزيرة» الإنجليزية اول نشراتها الإخبارية العالمية أمس، أصبح ماراش أشهر وجوا الأميركية.
ويدخل في إطار «لماذا» سؤالان آخران: كيف يمكن لأميركي العمل في مؤسسة مرتبطة بـ«الجزيرة» التي اشتهرت وبالنسبة للبعض بسوء السمعة، بإذاعة أشرطة فيديو لبيانات من أسامة بن لادن، وصور للجنود الأميركيين القتلى وادانات روتينية للولايات المتحدة؟ والأكثر من ذلك كيف يمكن لماراش، وهو يهودي، العمل في منظمة قدمت منبرا للذين ينكرون المحرقة وخطاب الكراهية ضد إسرائيل والصهيونية واليهودية؟ إلا أن ماراش ـ وهو رجل دمث ويمتلك صوتا قويا ـ يبدو مستمتعا باتخاذ موقف دفاعي. وإجابته السريعة القصيرة: لقد كان بلا عمل.
وجاءت الدعوة من «الجزيرة انغليش» بعد فترة قصيرة من ترك وظيفته في شبكة أخبار قناة «ايه بي سي» التلفزيونية قبل عام تقريبا. وقد قضى ماراش، 64 سنة، عقدا ونصف العقد كمراسل متجول لبرنامج ،Nightline وبديل في بعض الأحيان، لتيد كوبل (قبل ذلك كان ماراش مقدما لنشرة اخبار القناة الرابعة في واشنطن). الا ان ماراش ـ الذي يصفه كوبل بأنه واحد من المذيعين القليلين الذين يمكنهم «القيام بكل شيء» ـ أقيل من منصبه عندما ترك كوبل البرنامج وتم تطوير «نايت لاين».
والإجابة الطويلة، كما يشير مارش، هي ان «الجزيرة» لا تُفهم بطريقة جيدة، ويساء فهمها في الغرب. والأكثر من ذلك انه تعهد بأن «الجزيرة انغليش» لن تكون «الجزيرة».
وأوضح «لقد جرى افسادي كثيرا بقضاء 16 سنة في «نايت لاين». لقد كانت جنة حرفية. لقد اعتدت على وجود الوقت المخصص لتقديم صورة عما يجري في الواقع». والآن يقول «الهدف هنا هو القدرة على تقديم أفضل التقارير، أكثر التقاير شفافية في كل القنوات الإخبارية باللغة الانجليزية». ومن بعض الجوانب، ستصبح «الجزيرة انغليش» بعيدة كل البعد عن شقيقتها التي يصل عمرها لعشر سنوات. فمحطة «الجزيرة» تركز اساسا على أخبار الشرق الأوسط لجمهور معظمه من المسلمين المتحدثين بالعربية. الا ان «الجزيرة انغليش» ستكون ذات آفاق اكثر اتساعا، تهدف الى جذب انتباه ما يقرب من مليار متحدث بالانجليزية من مدغشقر الى مين ـ للمسلمين، نعم، ولكن أيضا لأي شخص يريد منظورا آخر لأخبار اليوم.
وبعبارة أخرى فإن «الجزيرة انغليش» ـ ومقرها دولة قطر الصغيرة ـ تأمل في ان تصبح أول مصدر غير غربي يتحدى التفوق العالمي لـ«سي إن سي » و «بي بي سي»، بالرغم من عدم توفرها علي موجات البث في الولايات المتحدة.
وقد أسست «الجزيرة انغليش» 4 مراكز اخبارية ـ في واشنطن وقطر ولندن وكوالا لمبور في ماليزيا ـ ستدور حولها نشراتها الإخبارية على مدى 24 ساعة. كما انها وضعت العديد من صحافييها الذين يزيد عددهم على 500 خارج المراكز الإخبارية التقليدية في أوروبا وأميركا الشمالية، في عدة أماكن تمتد من أميركا اللاتينية وأفريقيا وآسيا والشرق الأوسط. (كانت القناة معروفة، حتى الأسبوع الماضي، باسم «الجزيرة انترناشونال»، وقد تم تغيير الاسم في آخر لحظة للتمييز بينها وبين الجزيرة، التي يصل إرسالها للعديد من الدول.
ويصف ماراش القناة بالتميز. فالنزاع في الشرق الأوسط سيظهر على شاشاتها، ولكن أيضا المعارك التي تدور حول حقوق المياه في الهند وخلافات العمال في المكسيك. وأوضح ماراش «معدلنا سيصبح بطيئا. وشعاري هو: الأخبار بسرعة الأفكار». وأضاف «هذا امر يشعرك بالحرية. ان تصبح متحررا من قصة شقراء الشهر». وسيرى المشاهدون بعض الوجوه العربية ـ مثل المقدمة المشاركة غيدا فخري اللبنانية المولد. غير ان الشبكة بها مجموعة من الكوادر غير العربية أيضا. (زوجة ماراش إيمي التي كانت تعمل في «ام اس ان بي سي» هي واحدة من منتجات البرامج في «الجزيرة انغليش».
واشهر الشخصيات التي ستعمل في المحطة هو سير ديفيد فروست، الذي سيقدم برنامجا للشؤون العامة أسبوعيا. كما سيرأس الصحافي السابق في شبكتي «سي إن إن» و«بي بي سي» ريز خان برنامجا للدردشة على غرار برنامج لاري كينغ، وبرنامجا اطول للمقابلات من واشنطن. أما المحلل العسكري للمحطة فهو جوش رشينغ، الكابتن السابق في سلاح المارينز الذي خدم كضابط اتصال للشؤون العامة في مقر القيادة المركزية الأميركية في قطر في بداية حرب العراق.
وقال ويل ستبنز، رئيس مكتب واشنطن الذي يصل عدد العاملين فيه الى 125 شخصا ومراسل الشؤون الخارجية السابق في شبكة أخبار «الأسوشييتد برس»: «لا أعتقد انني سأشاهد مثل ذلك في حياتي». ولا يعني ذلك ان «الجزيرة انغليش» و«الجزيرة» عمليتان مستقلتان. فقد ذكر المديرون أن القناتين ستشاركان بعض الموارد مثل فرق الأخبار واللقطات الإخبارية. والاهم من ذلك، فإن مصدر تمويلهما هو أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني.
وطبقا لبعض الروايات الغربية، فقد خصص أمير قطر أكثر من مليار دولار من ثروة النفط والغاز الطبيعي في مشروع «الجزيرة انغليش». وبالرغم من صعوبة تأكيد مثل هذا المبلغ ـ ومكاتب «الجزيرة انغليش» المزدحمة والبسيطة في وسط العاصمة واشنطن لا تدل على مثل هذا الانفاق ـ فإن عمليات جمع الأخبار لا تعاني من نقص الموارد.
وبالرغم من ارتباط «الجزيرة انغليش» بأختها العربية هو مدخلها للمسلمين المتحدثين باللغة الانجليزية في جميع انحاء العالم، فقد اصبح ذلك عائقها الأساسي في الولايات المتحدة. فبالرغم من محاولات استمرت لأكثر من سنة، فإن الشبكة لم تتمكن من اقناع قناة كيبل او شبكة قنوات فضائية في الولايات المتحدة او كندا بنقل ارسالها.
وعندما تبدأ «الجزيرة انغليش» بثها بعد شهور من التأخير فسيكون ذلك عبر أجهزة الكمبيوتر فالطريقة الوحيدة لمشاهدتها عبر أميركا الشمالية هو عن طريق الانترنت. والسبب في ذلك غير واضح. وتقول جيني موير المتحدثة باسم «كومكاست»، اكبر شركة كيبل في الولايات المتحدة «كنا نتباحث معهم، ولكن هناك قرارا بعدم بث إرسالها. وفيما عدا ذلك، لن نعلق». ويفهم مسؤولون في «الجزيرة انغليش» لماذا تميز الاستقبال بالبرودة فـ«الجزيرة انغليش» لا يمكنها الهرب من ظل «الجزيرة» العربية.
وكان وزير الخارجية الأميركي السابق، دونالد رامسفلد، قد اتهم الجزيرة بـ«اكاذيب شريرة» و«سلسلة من البروباغندا» في تغطيتها للحرب في العراق وأفغانستان. وقد شعر المسؤولون الاميركيون بالغضب من مشاهد قتلى القوات الأميركية وتغطية الجزيرة التي لا تتوقف حول تأثير الحروب على المدنيين.
وقد ردد المحافظون انتقادات رامسفلد لـ«الجزيرة» التي يعتبرونها ونسختها الانجليزية معادية للولايات المتحدة في أفضل حالاتها، ووكرا للإرهابيين في اسوأ حالاتها.
وأشار كليف كينسايد، الذي يحرر مجلة «أكيوريسي إن ميديا ريبورت» المحافظة، الى العلاقات المضطربة: أدين صحافي الجزيرة تيسير علوني في العام الماضي في إسبانيا بالتعاون مع «القاعدة»، كما قبضت السلطات الاميركية في افغانستان على مصور «الجزيرة» سامي الحاج عام 2001. وهو محتجز في غوانتانامو (تؤكد «الجزيرة» أن الرجلين بريئان).ويقول كينسايد «لم نر أي دليل يشير الى ان قناة «الجزيرة» الانجليزية ستكون مختلفة كثيرا عن القناة العربية، إذ انها ممولة من نفس المصدر ولها نفس الفلسفة التحريرية». وكاد كينكيد ان يصف ماراش بالغباء، وقال إن «الأمير لديه قدر كاف من أموال النفط تسمح له بشراء من يريد»، وأضاف قائلا: «انهم يريدون وجوها إعلامية غربية كي تعطيهم مصداقية». ثمة اصوات معتدلة لديها مآخذ على «الجزيرة» مثل ستيف ستالينيسكي، المدير التنفيذي لمعهد أبحاث الإعلام في الشرق الأوسط (ميمري)، الذي يقول إن هناك ايجابيات في قناة «الجزيرة» ولكن هناك سلبيات أكثر منها، وكفة سلبياتها أرجح من كفة إيجابيتها، على حد وصفه. (يصنف معهد أبحاث الإعلام في الشرق الأوسط التغطية الإخبارية لقناة «الجزيرة» في عدة مجموعات مثل «معاداة السامية» و«نظرية المؤامرة» و«العمليات الانتحارية» و«إنكار الهولوكوست»). ويعتقد ماراش ان جزءا كبيرا من الانتقادات يتجاهل وجهة النظرة العامة، وقال في هذا السياق ان «الجزيرة واحدة من أكثر الأحداث الثقافية ايجابية في العالم العربي لأول مرة منذ قرون»، وقال أيضا انه «على العكس من وسائل الإعلام الخاضعة للسيطرة في العالم العربية تعرض قناة «الجزيرة» بانتظام وجهات نظر متباينة، وتعتبر أوسع منبر لعرض مختلف وجهات النظر يراه المشاهدون العرب». وقال ماراش متسائلا: «هل يبثون أحاديث تنم عن كراهية؟ نعم. هل توضع في سياق وتناقش كحديث ينم عن كراهية؟ نعم. حديث الكراهية جزء من الحوار في الشرق الأوسط. فرض رقابة عليه أو استبعاده تماما يعني فقدان المصداقية وسط مشاهدي المحطة». ويقول ريز خان «إن الاعتراض الرئيسي للولايات المتحدة على «الجزيرة» نابع من انها كانت صريحة تماما في تغطيتها للقوة العسكرية الأميركية»، وأضاف قائلا إن توجيه المسؤولية الى الأقوياء أمر لا يسبب أي نوع الخزي، وأضاف أن قنوات الأخبار الأميركية درجت على تصوير إطلاق الصواريخ وان «الجزيرة» تصور وصول هذه الصواريخ الى الأهداف التي أطلقت عليها. ويعتبر ماراش من الشخصيات البارزة في دوائر البث التلفزيوني وله تجربة كبيرة وخبرة واسعة في التغطية الإعلامية. يقول كوبيل إن اهتمامات ماراش وفضوله جعل منه كادرا قادرا على العمل في أكثر من مجال مثل الموسيقى والرياضة والشؤون الدولية والسياسة. ويضيف كوبيل قائلا إن ماراش كاتب جديد وصاحب أداء متميز. وظل ماراش يعمل في مجال الأخبار منذ عام 1957، وظهر كمقدم أخبار في محطة بث إذاعي في وايت بلينز بنيويورك، كما عمل في تقديم الأخبار التلفزيونية ومراسلا، وعمل أيضا في تغطية الأخبار الرياضية ومراسلا خارجيا بخبرة واسعة الى درجة انه لم يعد يتذكر عدد الدول التي عمل مراسلا منها. كذلك ألهم ماراش جيلا ثانيا من الإذاعيين. وقال كيث أولبرمان المذيع الأساسي في محطة MSNBC إنه كان «ظاهرة» بالنسبة له حينما كان هو في طور التشكل في أوائل السبعينات من القرن الماضي، وكان ماراش يقدم الرياضة في نيويورك.
وأضاف أولبرمان: «ثم أخذوه مذيعا مساعدا في الأخبار ضمن مناخ يخلو من الرسميات داخل حجرة تقديم الأخبار حيث كان يرتدي قميصا ويشعل سيجارة وبجانبه وضعت مطفأة سجائر. ومع ذلك كان حرفيا ومتميزا. وساعدني عرضه في إقناعي بأنك لا تحتاج لأن تكون عارض أزياء كي تقدم الأخبار».
وقضى ماراش جزءا من طفولته في ريتشموند حيث كان والده يدير مركزا خاصا بالجالية اليهودية، وهو صديق لمدرب تنس اسمه سام وودز. وعمل الرجلان من أجل إلغاء الفصل العنصري الذي أبقى حدائق ريتشموند العامة منفصلة، وهذا ما مكن أحد تلامذة وودز واسمه آرثر آش من أن يتنافس ضد بعض أفضل لاعبي المدينة. وقال ماراش: «صحيح القول إن آرثر لم يكن ليصبح آرثر الشهير بدون مساعدة والدي». إذ أصبح آرثر أول أميركي أفريقي يفوز ببطولة ويمبلدون.
ويرى ماراش آصرة في ذلك بعد ستة عقود. فكيهودي يعمل في منظمة عربية هو عنصر أجنبي فيها. وتساءل البعض عن أسباب قيامه بذلك.
وقال ماراش: «ينعتك البعض بأنك يهودي تكره نفسك، وأنك خائن لإسرائيل واليهودية. إنه مؤلم ولكن يمكن تجاهله. أنا لا أراهم منتقدين لهم قيمة كبيرة. إنهم يصوغون أحكاما مسبقة بدلا من استخدام روح الفضول عندهم».
وقال: «إنها تغضبني أكثر مما تؤلمني. أنا أعرف أنها غير شرعية. من منحهم القدرة كي يعرفوا ما يدور في داخل أي شخص آخر؟ أي شخص يعرفني يعرف أنني لست خجولا من ديني».
وقال إن الجزيرة «قدمت دائما نافذة من الفرص لإسرائيل والمواطنين الإسرائيليين للتكلم مع العالم العربي. وليس هناك أي تناقض بين اليهودية و«الجزيرة». وكيهودي فأنا دائما كنت أتمنى العمل من أجل السلام والمدنية في الأراضي الفلسطينية وإسرائيل».
ويظن أن تعلُّم درس من هذا، هو نوع من حكمة. وقال ماراش: «الرسالة من كل ذلك متواضعة وهي أنه ليس هناك شخص يعرف كل شيء. وكلما تعرف أكثر وتفهم كيف يرى الآخرون العالم، زاد فهمك للعالم».
* «واشنطن بوست»
حياااااااااااك الله يالجزيرة يا محررة القدس من ايدي اليهود
|
|
|
|
|
الموضوع الاصلي
من روعة الكون