تحدثت في مقال سابق بعنوان :
عـقـول للبيع أو للتأجير ... لعـدم التّفـرّغ !!
واليوم سوف أتحدّث عن نوعية أخرى من عقول بعض بني آدم
وذلك أن من الناس من يَزِن الأمور بعقله ، سواء فيما للعقل فيه مجال للنظر أو ليس له فيه مجال
في يوم من الأيام سُئلت عن حُـكم إسبال الثياب للرجال ، فبيّنت الحكم .
وذكرت أن الإسبال على نوعين :
إن كان مُجرّد إسبال فهو كبيرة من كبائر الذنوب ، وقد تُوعّد المسبل بوعيد شديد كما في صحيح مسلم .
وإن كان للخيلاء فإنه بالإضافة إلى كونه كبيرة من كبائر الذنوب ، فإن الله لا ينظر إلى صاحبه يوم القيامة .
وذكرت الأدلة ، وكلام بعض أهل العلم في التفريق بينهما وفق قواعد أصول الفقه .
وهو هنا :
http://www.almeshkat.net/index.php?pg=fatawa&ref=411
وكان السائل سأل لحاجة في نفسه ! وظن أنني أوافقه فيما يذهب إليه !
فلما رآني خالفته تغيّر وج
ثم بلغني فيما بعد أنه قال لبعض جلسائه : إيش هذا ؟! يُعذبني الله على خِـرقة ؟!
فهذا منطق أعوج !
وهذا قياس بالعقل السقيم وليس السليم !
يا هذا !
هل يُعذّب الله المشرك لأجل أنه طاف حول شجرة أو حول حجر ؟!
هل يُعذّب الله من ذبح دجاجة لغير الله بقصد التقرّب ؟!
وهل ... وهل .. ؟
وعلى هذا قِـس .
ما هكذا تُورد الإبل
وما هكذا تُورد النصوص
إن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم لم يكونوا يغضبون ذلك الغضب الشديد إلا عندما تُعارَض السنة بأقوال الرجال أو بالآراء
وإن كانت تلك الأقوال من أقوال كبار الصحابة رضي الله عنهم
وما ذلك إلا لتعظيمهم لأقوال النبي صلى الله عليه وسلم ولسنّته عليه الصلاة والسلام
فقد رأى عبد الله بن المغفل رجلا من أصحابه يخذف ، فقال له : لا تخذف ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكره أو قال : ينهى عن الخذف ، فإنه لا يُصطاد به الصيد ، ولا يُنكأ به العدو ، ولكنه يكسر السن ، ويفقأ العين ، ثم رآه بعد ذلك يخذف ، فقال له : أخبرك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكره أو ينهى عن الخذف ، ثم أراك تخذف ، لا أكلمك كلمة كذا وكذا . رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية لمسلم : أن قريبا لعبد الله بن مغفل خذف ، فنهاه ، وقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف ، وقال : إنها لا تصيد صيدا ، ولا تنكأ عدوا ، ولكنها تكسر السن ، وتفقأ العين . قال : فعاد ، فقال : أحدثك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه ، ثم تخذف ، لا أكلمك أبدا .
نعم . لا يرضون بمعارضة قول سيّدهم وقدوتهم ، بل ويشتدّون على المخالِف
فهذا عمران بن حصين كان في رهط وفيهم بشير بن كعب فحدّث عمران يومئذ فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحياء خير كله . قال : أو قال : الحياء كله خير ، فقال بشير بن كعب : إنا لنجد في بعض الكتب أو الحكمة أن منه سكينة ووقارا لله ، ومنه ضعف ! فغضب عمران حتى احمرّتا عيناه ، وقال : ألا أراني أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتُعارض فيه . فأعاد عمران الحديث ، فأعاد بشير ، فغضب عمران قال أبو السوار العدوي : فما زلنا نقول فيه : إنه منا يا أبا نجيد ، إنه لا بأس به . رواه البخاري ومسلم .
ولما قال عبد الله بن عمر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنكم إليها . قال : فقال بلال بن عبد الله : والله لنمنعهن .
قال الراوي : فأقبل عليه عبد الله فسبّه سبّـاً سيئاً ما سمعته سبه مثله قط ، وقال : أخبرك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول : والله لنمنعهن . رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية : فضرب في صدره ، وقال : أحدِّثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتقول : لا !
وبلغوا من الامتثال أجمله وأحسنه واكمله
روى البخاري عن نافع عن ابن عمر قال : كانت امرأة لعمر تشهد صلاة الصبح والعشاء في الجماعة في المسجد ، فقيل لها : لم تخرجين وقد تعلمين أن عمر يكره ذلك ويغار ؟
قالت : وما يمنعه أن ينهاني ؟
قال : يمنعه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تمنعوا إماء الله مساجد الله .
وروي أن عمر رضي الله عنه جَلَدَ رجلين سبّحـا بعد العصر . أي صليا .
ورأى سعيد بن المسيب رجلا يصلي بعد طلوع الفجر أكثر من ركعتين يُكثر فيها الركوع والسجود ، فنهاه ، فقال : يا أبا محمد يعذبني الله على الصلاة ؟!
قال : لا ، ولكن يعذبك على خلاف السنة . رواه البيهقي في الكبرى .
وبلغ من شدّة تمسُّك سلف الأمة بسُنّةِ نبيِّها مبلغاً استفاضت معه أقوالُهم .
واتّفقت كلمة العلماء أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة المتبوعة على ردِّ قولِهم إذا خالف الحديث .
قال الإمام أبو حنيفة : إذا صحّ الحديث فهو مذهبي .
وقال أيضا : لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذناه .
وقال أيضا : إذا قلت قولاً يُخالف كتاب الله تعالى وخبرِ الرسول صلى الله عليه وسلم فاتركوا قولي
وقال الإمام مالك : إنما أنا بشر أخطئ وأصيب ، فانظروا في رأيي فكلّ ما وافق الكتاب والسنة فخذوه ، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه .
وقال أيضا : ليس أحدٌ بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا ويؤخذ من قوله ويترك إلا النبي صلى الله عليه وسلم .
وأما الإمام الشافعي فقال : أجمع المسلمون على أن من استبان له سُنةٌ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحِلّ له أن يدعها لقول أحد .
وقال أيضا : إذا وجدتم في كتابي خلاف سُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوا ما قلت .
وقال الإمام أحمد : من ردّ حديثَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فهو على شفا هلَكَة .
وقال أيضا : لا تقلد في دينك أحداً من هؤلاء ، ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابهِ فخُذ به .
قال الحميدي : روى الشافعي يوماً حديثاً ، فقلت : أتأخذ به ؟
فقال : رأيتني خرجت من كنيسة ، أو عليَّ زُنّار حتى إذا سمعتُ عن رسول صلى الله عليه وسلم حديثاً لا أقول به ؟!
وهذا كله يدلّ على تعظيمهم لأقوال نبيِّهم صلى الله عليه وسلم .
ويدلّ على تأدّبهم مع إمامهم عليه الصلاة والسلام
وعلى شدّة محبته صلى الله عليه وسلم
إن محبة النبي صلى الله عليه وسلم لا تنبت إلا على ساق المتابعة والاقتداء
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في قوله تعالى :
( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )
: هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادّعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله ، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : مَنْ عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد . ولهذا قال : ( إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ )
أي يحصل لكم فوق ما طلبتم من محبتكم إياه وهو محبته إياكم وهو أعظم من الأول ، كما قال بعض العلماء الحكماء : ليس الشأن أن تُحِبّ إنما الشأن أن تُحَبّ . وقال الحسن البصري وغيره من السلف : زعم قوم أنهم يحبون الله فابتلاهم الله بهذه الآية ، فقال : ( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ ) اهـ .
وقال الإمام الطحاوي :
ولا تثبت قدم الإسلام إلا على ظهر التسليم والاستسلام .
قال ابن أبي العز : أي لا يثبت إسلام من لم يسلم لنصوص الوحيين وينقاد إليها ولا يعترض عليها ولا يعارضها برأيه ومعقوله وقياسه . روى البخاري عن الإمام محمد بن شهاب الزهري رحمه الله أنه قال : من الله الرسالة ، ومن الرسول البلاغ ، وعلينا التسليم . وهذا كلام جامع نافع . اهـ .
فمن أحبّ سيد ولد آدم فليُعظّم أقواله وسُننه أكثر من تعظيمه لقول مَن سواه من البشر .
أما دعوى محبته مع مُخالفته أو مع تقديم قول غيره على قوله فهذه دعاوى و " لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه " كما في الصحيحين عنه عليه الصلاة والسلام .
وليدع : ( ما اقتنعت – ما يُعقل – ما يدخل مزاجي ! ) ليدع هذه الكلمات وأمثالها عند الكوكب ، كما قال ابن عمر رضي الله عنهما لمن سأله عن استلام الحجر ، فقال ابن عمر : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمه ويُقبِّله . فقال : أرأيت إن زُحمت ؟ أرأيت إن غُلبت ؟
فقال ابن عمر : اجعل أرأيت باليمن ! رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمه ويُقبِّله . رواه البخاري .
وقال لمن سأله عن قيام الليل : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صلاة الليل مثنى مثنى والوتر ركعة . فقال السائل : أرأيت إن غلبتني عيني ؟ أرأيت إن نمت ؟ قال : اجعل أرأيت عند ذلك النجم . رواه ابن ماجه .
هكذا فلتُعظّم السنة
وليُربّى عليها الأولاد والأتباع .
كتبه
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
أعجبني فنقلته لكم من صيد الفوائد
غفر الله لي ولوالدي
الموضوع الاصلي
من روعة الكون