قصة حب
ليست القضية متى سيأتي.. القضية هل يبقى حين يأتي؟؟؟
التقته وهي في الخمسين من عمرها في وقت ظنت أنها فقدت القدرة على الحب والحلم والأمل وأشياء أخرى تحتاج اليها المرأة في منتصف العمر...
وبعد أن ذاقت من الأشياء أمرها
وبعدأن مرت بظروف حملتها من الألم فوق طاقتها
وبعد أن اتسعت الفجوة بينها وبين الفرح وأصبحت السعادة من مستحيلات حياتها
عندها... جاء هو بقلبه الكبير وببحور حنانه الباحثة عن أنثى تكون نصف قلبه الاخر
اقترب منها كالأحلام الهادئة.. عشقها بصدق فرسان الحكايات القديمة
وطرق بابها في أشد مراحل عمرها ظلمة ليمنحها باقة من النور
لم يكن اخر أطواق النجاة بالنسبة اليها. بل كان الشاطىء والقبطان والسفينة
غيرها تماما
نسفها داخليا وخارجيا. لون كل المساحات السوداء في داخلها
فتعلقت به تعلق الأم بطفلها وتعلق الأنثى بفارسها وتعلق الانسان بوطنه
وشعرت معه بأمان لم تشعر به طيلة سنواتها...
اقترب من أعماقها أكثر ملأ احساسها كالدم وملأ حياتها كالهواء
كانت تنام على وعوده وتستسقظ على صوته
تمادت معه بأحلامهما... منحت نفسها حق الحلم كسواها
حلمت بأطفال بعدد نجوم السماء وبقدرة الهية تهديه اياها
وبليلة من العمر تجمعهما في جنة فوق الأرض تعيش فيها معه
كان رجلا رومنسيا شفافا بادلها أحلامها بنقاء
لم تكن بالنسبة اليه حكاية يسعى الى انهاء دوره فيها ولم يكتبها رقما في أجندته
ولم يسجلها موعدا قابلا للانتهاء
كانت شيئا اخر..احساسا مختلفا.. وامرأة لا يمكن تصور حياته من دونها
اعتادت وجوده في حياتها.. تماما كما اعتاد وجودها في عالمه
كان احساسهما طاهرا نقيا ام تدنسه مواعيد الغرام ولم تلوثه اللقاءات المحرمة
كان يصونها كعرضه.. وكانت تحفظه كعينيها
سألها يوما: ماذا لو خنت؟ قالت: سأقتلك.
قال: ماذا لو مت؟ قالت: ستقتلني
عندها أدرك أنها امرأة ترفض الحياة بغير وجوده.. فتمسك بحياته أكثر
وتمنى أن يعيش الى الأبد ليجنبها ألم فقدانه وفجيعة رحيله
منذ عرفته وهي تعشق المساء جدا..
ففي المساء يأتي صوته حاملا لها فرح العالم كله ويعيدها رنين هاتفه الى الحياة التي تفارقها حين يفارقها
وما أن يرفع سماعة الهاتف حتى يبادرها متسائلا:"من تحبين أكثر أنا؟ أم أنا؟
فتجيبه بطفولة امرأة عاشقة:"أحبك أنت أكثر من أنت".
ثم يتجولان معا في عالم من الأحلام الجميلة..
_ وهذا المساء انتظرت صوته كالعادة ومرت الدقائق وتلتها الساعات
شيء ما في قلبها بدأ يشتعل.. شيء ما تتجاهل صوته لكنه يلح ..
شيء ما يصرخ في داخلها انه لن يعود.. وشيء ما يوقظ في داخلها كل شكوك وظنون الأنثى في لحظة الانتظار
ترى هل نسي؟ هل خان؟ هل.. رحل؟
ومع أول اشعاع نور للصباح حادثها أحدهم ليخبرها بضرورة وجودها في المستشفى لأن أحدهم يصر على رؤيتها قبل دخوله غرفة العمليات .
وهناك التقته باسما في وجا كعادته برغم الألم قال لها:" سامحيني
أعلم أن رحيلي سيسرق منك كل شيء.. وأعلم كيف ستكون لياليك بعدي
وأعلم مساحة الرعب التي سيخلفها رحيلي في داخلك..
وأعلم أنه لا شيء سيملأ الفراغ خلفي.. وأعلم كم ستقتلك البقايا
واعلم كم ستكسرك الذكرى.. وأعلم تحت أي مقاصل العذاب ستنامين
وفي أي مشانق الانتظار ستتعلقين.. وأعلم كم ستبكين وكيف ستبكين
وأعلم أني خذلتك وأنت ستغفرين"..
ومضى الى مصير تجهله.. كانت رائحة الوداع تملأ حديثه
لكنها تعلقت باخر قشة أمل وانتظرت
انتظرت
انتظرت
وكانت تردد بينها وبين نفسها.. ماذا لو أنه رحل؟
ماذا سيكون لون حياتها؟ بل ماذا سيتبقى من حياتها؟
لم تحتمل ثقل سؤالها.. فجلست على الأرض.. ما عادت قدماها تقويان على حملها
استندت الى الجدار في انتظار حكم الحياة عليها
ومن بعيد لمحته يأتي.. يتقدم نحوها..
انه الطبيب الذي أجرى له العملية
تمنت أن بقف في مكانه.. أن لا يتقدم أكثر.. أن لا يفتح فمه بنبأ رحيله
دقات قلبها تزداد.. أنفاسها تتصاعد.. ترى هل رحل؟
أغمضت عينيها.. ووضعت يديها على أذنيها.. لاتريد أن تسمع
لا تملك القدرة على أن تسمع نبأكهذا النبأ
لا أحد يعلم كم من الوقت مر قبل أن يصلها الطبييب..
ربما لحظات.. وربما سنوات
لكنه أخيرا وصل.. وقف أمامها مبتسما....
قائلا: كتب له عمر جديد يا سيدتي.. نجحت العملية.. وسيعيش.
وانتظر أن ينطلق منها صوت الفرح...
لكنها صمتت... لم تنطق... ولن تنطق أبدا
لقد رحلت... قتلها الانتظار والخوف والترقب
عفوا
انها امرأة
وصلت بتعلقها به الى درجة رفض الحياة في غيابه
هل توجد مثل هذه المرأة الان؟ هل يوجد مثل هذا الرجل الان؟
وبعد أن أرعبنا المساء
ترى؟
من قتل من؟
الموضوع الاصلي
من روعة الكون