الأب في العائلة لا يمثل السلطة فحسب بل إنه نموذج وقدوة بالإضافة إلى الأم, فالتربية لا تتم فقط من خلال الوسائل المباشرة الواعية المتمثلة بقيام الأب والأم بوضع الحدود والضوابط ومتابعة التزام الأولاد بها وعدم خروجهم عليها...
وإنما يتم القسط الأكبر من العملية التربوية بطريقة لا شعورية إلى حد كبير, وذلك من خلال أثر الوالدين كنموذج لابنائهم.
لكن عندما تنكشف أمام الأم حقيقة مخزية في شخصية الأب فهل تخبر ابناءها?
> السيدة ابتسام تقول: كنت في الجامعة آية في الجمال, أحببت استاذي الجامعي ولم أصدق نفسي حين فاتحني في رغبته بالزواج مني, كنت شديدة الاعجاب به وبثقته بنفسه وقدرته على السيطرة على هذا الجمع الهائل من الطلاب.
شعرت بالزهو لأنه فضلني على كثيرات غيري, ذللت أمامه جميع الصعوبات التي وضعها والدي أمامه خاصة وأنه يكبرني بخمسة عشر عاماً, المهم أني فزت به, وافق والدي على رغبتي وبدأنا حياتنا.
بعد الزواج عشت معه أياماً أمر من العلقم بسبب مزاجه المتقلب وأحواله الغريبة ومع ذلك منحته مزيداً من الحب والحنان وقلت بنفسي إنه سيتغير بالتأكيد, مضت عشرون عاماً وأنا اتحمل أسلوب القهر والاستعباد والضرب والاهانة.
وكلما ازددت حناناً زاد تسلطاً, هو يكره الناس جميعاً ودائماً يردد أنه إنسان مضطهد ولم يأخذ حظه في الحياة, وأن جميع من حوله يحاربونه.
كان جل همي أن لا يسمع أولادي بمشاجراتنا, وفي كل مرة اخترع لهم كذبة لكي لا تتهاوى صورة والدهم في عيونهم.
> السيدة حنان تقول: جمعتني بزوجي قصة حب هادئة وسريعة, فقد كان أخاً لإحدى صديقاتي تقدم للزواج مني وبدأت معه حياة مملوءة بالكفاح ولكني كنت سعيدة بها لأنه لا طعم للحياة بدون كفاح.
انتقل من نجاح إلى نجاح, انجبت له أربعة أولاد وبنتاً واحدة, وبالطبع كنت أعمل وأكون معه بيتنا وادفع بكل ما يأتيني من مال في بيتنا الجميل وسارت حياتنا بشكل جميل وطبيعي, إلى أن أتى يوماً إلى البيت فاقداً لتوازنه, ولا يعي ماذا يقول?
ادخلته غرفة النوم ووضعته على السرير, وفي الصباح سألته عما حدث فأجابني بحدة: ما دخلك أنت, ومنذ ذلك اليوم انقلب زوجي وأصبح إنساناً لا أعرفه, وبعدها اكتشفت أنه أصبح مدمناً, وروعتني الحقيقة المؤلمة إلى حد الموت.
المشكلة أن أولادي الذين كانوا صغاراً كبروا وبدؤوا يتساءلون, ولا أعرف ماذا أجيب, أصبح يؤرقني الخوف على مستقبلهم وحياتهم الاجتماعية إن هم اكتشفوا أن اباهم مدمناً, تتداعى صورة الأب العظيم التي رسمتها في عقولهم, فالأب هو القدوة وأي قدوة.
القصص كثيرة عن انحراف بعض الآباء والسؤال المطروح: هل من مصلحة الابناء أن تداري الأم ما تكتشفه في زوجها عن ابنائها, أم تحكي لهم عن حقيقته حتى لا يصدموا بها من خلال الآخرين?
مع الاختصاصية
> للاجابة على هذا السؤال توجهت للاختصاصية الاجتماعية (إيمان القوصي) فقالت: إن لدى الابن ميلاً نفسياً عميقاً إلى التشبه بأبيه, ومن خلال الصورة التي تتكون لدى الصبي يعتبره مثالاً يحلم الصغير بتحقيقه في نفسه عندما يكبر, وحتى البنت تأخذ من صورة أبيها بعض الصفات المهمة لتكوين شخصيتها وبنائها الخلقي.
وعملية التمثل هذه تكون في أحسن احوالها عندما تكون العلاقة بين الطفل ووالديه دافئة وحميمة وقائمة على الحب, خاصة عندما يمضي الأب والأم وقتاً طويلاً مع الطفل, بحيث يرى الطفل والديه في مواقف حياتية متنوعة ويرى كيف يتصرفان ويلاحظ القيم التي يؤمنان بها والتي تحكم سلوكهما.
وإن أي تشويه لصورة أحد الوالدين في نظر الأطفال تؤدي إلى القلق النفسي وهذا القلق أو الاضطراب في تكوين الهوية هما من أكبر أسباب الانحراف عند المراهقين, وإن كان للأب عيوب أو انحرافات وكان يستتر بها عن عيون اولاده فإن خير ما تفعله الأم هو أن تستر ذلك عنهم, وتحافظ على صورته الجميلة في عيونهم, فذلك مهم للأولاد ولتكوين شخصياتهم واخلاقهم.
ومن أكبر الاخطاء أن تقوم الأم بتعرية عيوب زوجها أمام اولادها فذلك يمكن أن يجعل الاولاد يقلدون اباهم في انحرافه إن كان الأب قد نجح في كسب حب اولاده, فالحب يجعلهم يغفرون لأبيهم انحرافه ويجعلهم يميلون إلى التشبه به, رغم معرفتهم بعقولهم أنه منحرف.
أخيراً أقول: إذا غضبت زوجة من زوجها فلتتجنب بث همومها وتعبها لأبنائها لأن ذلك ضار جداً بنفسياتهم, حتى نقل الغضب الذي في نفسها تجاه زوجها عليها أن تكبته ولا تظهره أمام الاولاد, فإن كتمان الأمر خير لها من انحراف اولادها ووقوعهم في مالا تحمد عقباه.
:icon_mn:
كل الود
ولد دندوون
الموضوع الاصلي
من روعة الكون