هذه الأيام أيام حج, ولعلّ بعضكم ينوي وقد استعدّ لأداء هذه الفريضة, أو لعلنا نعرف من يستعد لهذه الفريضة, المهم أننا نعيش في ظلال هذه الفريضة هذه الأيام. وإذ نعيش في ظلال هذه الفريضة, فإنني أتوجه إلى من يستعدّ للسفر, وإلى الذين لم يستعدوا للسفر, قائلاً لهم, ولي:
أتدرون ما الغاية من الحج? أو بعبارة أخرى: هل وضعتم أمام أنفسكم وقلوبكم غاياتٍ تحققونها وأنتم تسافرون لأداء هذه الفريضة, إن كان للمرة الأولى, أو للمرة الثانية, أو... هل رسمتم الغايات التي تبغون تحقيقها من وراء هذه الفريضة ? وبالتالي عندما تعودون من هذه الفريضة تقفون وقفة حساب ومحاسبة مع أنفسكم, هل حققتم الغاية من هذه الفريضة أم لا ? فإن حققتم فطوبى لكم, وإن لم تحققوا فسلوا الله عز وجل العافية والمغفرة والقبول, وسلوا الله عز وجل التكرّم منه, وأن يقبلنا على عِلاتنا وعلى نقصاننا, فإننا ضعفاء والله هو القوي, وحينما نأتي ربنا ضعفاء فإن ربنا سيأتينا وهو قوي.
الغايات التي أريد أن نرسمها أمام أعيننا ونحن نود الحج هي:
الغاية الأولى: أداء الفريضة: الحج فريضة علينا, على المستطيع منا, فأنت يا من تريد الحج وتبغيه هذا العام وفي كل عام, ضع أمام عينك غاية أن تؤدي هذه الفريضة, (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً )ويقول عليه الصلاة والسلام, والحديث معروف مشهور كما في البخاري ومسلم: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله, وأن محمداً رسول الله, وإقام الصلاة, وإيتاء الزكاة, وصوم رمضان, وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً) وهناك روايات تقدم الحج على الصيام, لكنها جميعاً تتفق على أن هذه هي أركان الإسلام.
الغاية الثانية: الأجر والثواب: كلنا يحتاج إلى أجر وثواب, كلنا يحتاج إلى عطاء من الله عز وجل, مَن الذي يستغني منا عن أجر الله وثوابه وعطائه ومنته وغفرانه جل وعلا, نريد من الحاج أن يحصِّل الثواب والأجر الكبيرين, فلقد قال سيدي رسول الله ] كما في البخاري ومسلممن حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه) ضع أمام عينك وقلبك وفكرك أن تحصل الثواب والأجر, وأن تعود مغفورةً ذنوبك, مغفورةً آثامك, مغفورةً خطاياك, وبالتالي إن وضعت هذا الأمر, وهو أن تحصل الثواب غايةً أمام عينك فقد أدّيت الحج من غير رفث ولا فسوق, وقد أدَّيت الحج بآدابه الإسلامية, وأدَّيت الحج بأخلاقه القرآنية النبوية, وأدَّيت الحج وأنت على أتمّ مراعاةٍ لما تتطلبه هذه الفريضة من أخلاق وآداب ونُسك وطاعات. هل تزهد وأنت تسعد للحج في هذه الغاية ? فلِمَ لا تفكر فيها, ولمَ لا تفكر في موجباتها ? ألا وهي عدم الرفث والفسوق, واتباع الآداب والسنن والتخلق بأخلاق سيد الخير وسيد الخلق محمد ], لذلك أنصحك أن تقرأ قبل الحج أحكام الحج, وأن تقرأ الأحاديث المتعلقة بالحج, وأنصحك أن تقرأ ما جاء في السيرة عن حج النبي], أريدك أن تضع أمام ناظريك هذا الذي قلته لك.
الغاية الثالثة: تحصيل المنافع: ولمَ لا? (ليشهدوا منافع لهم) أريدك أن تضع غاية تحصيل المنافع, والمنافع قسمان: منافع معنوية ومنافع مادية.
أما المنافع المعنوية: فالدّعاء والاستغفار, لأن الحج وأمكنة هذه الفريضة مَظِنَّةُ الاستجابة, الطواف مَظِنَّةُ استجابة بل مئنة إن شاء الله, السعي مَظِنَّةُ استجابة, عرفات مَظِنَّةُ استجابة, أنت تحمل في نفسك حاجات كثيرة عليك أن تضعها هناك بين يدي ربك, هناك في عرفات, في السعي, في مزدلفة, في منى, المنافع المعنوية الدّعاء رجاء أن يستجيب لك ربك, وسيستجيب بفضله ومنّه وكرمه, لأن رسول الله ] قال كما روى البزار بسند حسن: (الحجاج والعمار وفد الله, دعاهم فأجابوه, وسألوه فأعطاهم) فيا حجاج استغفروا لنا ربكم عز وجل, ويا عُمَّار استغفروا لنا ربنا وربكم عز وجل. المنافع المعنوية الدعاء من أجل حاجات هي في نفسك, وفي النفس حاجات نرجو أن يقضيها ربنا عز وجل. ومن المنافع المعنوية التعارف مع الآخرين, مع المسلمين من أعراق أخرى, من جنسياتٍ أخرى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) أتريد أن تحقق هذه الآية وهذه القاعدة الربانية في الحج ? إذاً أنت تحقق غايةً من غايات الحج, إن رأيت مسلماً هناك من جنسية أخرى, من عرق آخر, من لغة أخرى, فتعرَّف عليه, لأننا نريد الأمة أن تتعارف وأن تتآلف وأن تتحالف, ولا سيما في أيامنا هذه, والصعاب تواجهنا صباحَ مساء, والعدو يتربص بنا الدوائر, ويريدنا أذلاء يحشرنا تحت راية سوداء, تحت خيمةِ ذل, ونحن نستجيب من خلال التفرّق الذي أصبح سِمَة من سماتنا, ومن خلال التشرذم الذي أصبح صفة من صفاتنا, ومن خلال عداوة أُلهبت فيما بيننا, وها نحن أعداء فيما بيننا. ضع في نفسك غايةً هي منفعة معنوية أن تتعارف مع المسلمين وأن تتآلف وأن تتحالف المنافع المعنوية تعارف وتآلف وتحالف.
وأما المنافع المادية: من الذي يمنعك أن تشهد تجارة لك هناك وأنت تحج ? الله عز وجل قال (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُم) ما المانع من أن تتاجر ? لكنك لا تريد بالحج قصداً أوَّلياً التجارة, وإنما التجارة أمر تابع, ما المانع أن تكون من غاياتك السياحة, الاطّلاع على هذه الأمكنة, على البلدان ? ماالمانع من أن تشتري وأن تتسوق ? غير أنني أريد أن أحترز فأقول: إياك أن تضيع ثوابك في هذه السياحة, عليك وأنت تقوم بالسياحة أن تكون السياحة داعمة لثواب حصلته لا أن تكون مضيعة لثواب جمعته, لا أن تكون منفقة لثواب كبير حرصت أن يكون لك, أريد منك وأن تضع أمام عينك غاية السياحة أن تكون السياحة والتجارة أمراً ثانوياً, وأن تكون داعمة لثوابك الذي حصّلته في حجك أو في عمرتك.
مفتي محافظة حلب - خطيب جامع التوحيد الكبير بحلب
الموضوع الاصلي
من روعة الكون