ما زالت نغمة العنصرية تجاه المسلمين والعرب تعلو في بلاد الغرب بشكل يدعو للقلق، وفي نفس الوقت الاندهاش من هذه المجتمعات التي تزعم تطبيق المساواة والديمقراطية، وتنتفخ أوداجها عند وقوع حادثة ضد غير المسلمين في إحدى البلدان العربية والإسلامية.
والذي يزيد من الدهشة أن هذه العنصرية لم تعد قاصرة على أفراد هذه المجتمعات بل ظهرت بصورة كبيرة في المسئولين بها، فقد أدين دبلوماسي أمريكي ذهب إلى التقاعد خلال شهر يوليو 2007 بتوجيه شتائم عنصرية وتهديدات لعرب ولبنانيين، ومن ضمن هذه الشتائم "إن اللبناني الوحيد الجيد هو اللبناني الميت"، و"الموت للبنان والعرب"، و"سيحترقون جميعًا في نار جهنم على هذه الأرض، وفي الحياة الآخرة"، و"الموت للإرهابيين الأمريكيين من أصل عربي"، و"العرب هم كلاب".
إن القضية أصبحت تنفيس عن عُقد وأحقاد دفينة، وليست مجرد رد فعل على هجمات تحدث هنا أو هناك ، فالدول الغربية تعرضت للعنف منذ وقت طويل على أيدي منظمات ليس لها علاقة بالإسلام والعرب مثل الجيش الجمهوري الإيرلندي ومنظة إيتا ، إلا أن الهجمة التي يتعرض لها المسلمون الآن تحمل في طياتها عودة منظمة إلى أجواء الحروب الصليبية التي يتذرع الغرب بأنها لم تحمل أبعادًا عقائدية، وهو ما يتنافى تمامًا مع ما نسمعه الآن على ألسنة العديد من المسئولين الغربيين.
لقد وقفت السلطات في أوروبا صامتة أمام ما يحدث للجالية الإسلامية، وكان آخر هذه الحوادث ما تعرض له مبتعث سعودي لنيل الدكتوراة من بريطانيا حيث تعرض لاعتداء وحشي أدى إلى كسر أنفه بعد هجوم عنصري من 12 شابًا بريطانيًا، وأكد الشاب أن الشرطة البريطانية لم تجرِ أي تحقيقات حول الاعتداء رغم شكواه؛ الأمر الذي جعل السفارة السعودية تنتدب محاميًا للدفاع عن حقوق مواطنها. الطالب السعودي أشار أيضًا إلى أن هذه الحوادث أصبحت متكررة حيث تعرض سعوديين لاعتداء قبل شهرين في مدينة نوتينجهام. كما أن طالبًا سعوديًا توفي قبل نحو 6 أشهر إثر اعتداء عليه في لندن.
إذن الموقف الرسمي أصبح يتماشى مع الموقف الشعبي، في دول تدعي العدالة وتنتقد منظماتها "الحكومات الدكتاتورية" التي تنتهك حقوق المواطنة، وتفرق بين رعاياها على حسب الدين.. فماذا تسمي ما يحدث تجاه المسلمين على أراضيها؟!
والعجيب أن الحكومات والمنظمات الغربية التي تتهم بعض الدول الإسلامية بالتفرقة بين المسلمين وغير المسلمين في بعض الأمور مثل بناء دور العبادة تقوم الآن بالتفرقة التي تعتبرها عنصرية, ولعل آخر ما سمعناه من قبيل ذلك تصريح المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ـ ابنة الكاهن ـ بأنه لا يجب أن تعلو مآذن المساجد على أبراج الكنائس في ألمانيا، وقبل ذلك دعت عدة أحزاب سويسرية إلى إجراء ما يشبه الاستفتاء العام لعمل مبادرة شعبية لوقف بناء المآذن في سويسرا؛ باعتبارها تمثل رمزًا للضغوط السياسية الدينية السياسية، حسب زعمهم. وطالب ممثل حزب الشعب الديمقراطي السويسري بوقف كل أعمال البناء الإسلامية إلى حين إجراء هذا الاستفتاء، كما زعم الاتحاد الديمقراطي أنّ هذه المآذن تمثّل منارة للجهاد الإسلامي، متهكمًا على الإسلام بأنه ليس دينًا، وإنما هو مجرد إعلان حرب على المسيحيين وأصحاب الديانات الأخرى في العالم، على حد افترائه.
وحتى لا يقال أن المسألة في طور الحوادث الفردية، وأننا نحمل الأمور أكثر مما تحتمل؛ نأتي على تصريح لخبيرة دولية في الأمم المتحدة حذرت فيه من وجود عنصرية خبيثة في فرنسا تمارس ضد الأقليات والمهاجرين ـ أكثر المهاجرين في فرنسا من أصول عربية مغاربية ـ واستغربت غموض الخطاب الرسمي في هذا الصدد.
و قالت المبعوثة الأممية "غاي ماكدوغال": إنها اكتشفت بعد مهمة استمرت عشرة أيام في فرنسا أن العنصرية تمثل شعورًا خبيثًا في المجتمع الفرنسي. وأوضحت الخبيرة أن "هناك أشخاصًا عملوا كثيرًا واحترموا كافة قوانين اللعبة ويؤمنون بصدق بمبادئ الجمهورية الفرنسية، وجدوا أنفسهم محاصرين في معازل تفوق فيها نسبة البطالة أحيانًا 40%". وأضافت أن الشبان من أصول مهاجرة "يشعرون بالتمييز ضدهم، وأنهم منبوذون بسبب تصور جامد للهوية الوطنية الفرنسية لا يناسبهم".
وذكرت صحيفة الإندبندنت أن أحدث الإحصائيات والدراسات أكدت أن معدل الجرائم العنصرية التي تُرتكب ضد المسلمين والأشخاص المنحدرين من أصول آسيوية قد ازدادت في اسكتلندا بنسبة الثلث.
وأفادت الصحيفة أن هذه الاعتداءات العنصرية تتضمن الاعتداء على أحد المساجد، بالإضافة إلى الإهانات اللفظية والعبارات الجارحة التي تقال لمن يُشتبه بكونه مسلمًا أو من أصل آسيوي.
إن حكومات الدول العربية والإسلامية مطالبة أكثر من أي وقت مضى بالوقوف بقوة لحماية أبنائها، وعندها العديد من وسائل الضغط ومن أهمها المصالح الاقتصادية التي تُعتبر المحرك الأساسي لسياسات هذه الدول، وهي التي تأتي بالحكومات وتذهب بها في هذه المجتمعات، أما الاكتفاء بالوسائل الدبلوماسية والشجب والاستنكار فلن يجدي نفعًا مع هذه الظاهرة الآخذة في الاستفحال. :icon_mn: وكل عام وانتم بخير اجوكم< بدون مسمى>:a045:
الموضوع الاصلي
من روعة الكون