أتيت من بادية جنوب الطائف باحثاً عن عمل أقوت به نفسي
فأشار بعض أخوتي بان أعمل سائق آجره حتى أجد عملاً
مناسباً وبسعي من الجميع تضافرت جهودنا في أيجاد سيارة ليموزين
ببعض الواسطة والضمانات ومن هنا توالت أحداث قصتي في
شوارع مدينة الرياض
أحداث غريبة ..أحداث مضحكة .. وأخرى مأسوية
فببزوغ فجري الأول تحركت على بركة الله لا أعرف اتجاهاتي فلم أعد أعرف جهة الشرق من الغرب لكثرة العمران من حولي والسيارات تثير الذعر عن يميني ويساري
جلست أفكر كيف أسير أموري وسط هذه المعمعة !
تعرفت على بعض المخارج والعمارات الرئيسية في أول رحلة استكشافية .
فكان شرطي لقبول إيصال الراكب هو معرفته لطريقه وإلا بحثت عن آخر كانت الحصيلة لا تبشر بخير والتعب هد الحيل ..منذ بزوغ شعاع الفجر حتى أسدل الليل ستاره وأنا خلف المقود . رجعت بعد عنا لمقر السكن .. نمت وأنا واثق أن الكوابيس والأحلام لن تمر علي في ليلتي هذه!
وبالصباح ساورتني الشكوك هل لدي المقدرة على مواصلة ما بدأت به أم أنني سأفشل فشلاً يجعلني حديث مجالسنا كل العام القادم؟
فالأقارب ما قصروا أوجدوا لي سبل العيش وأنا علي بذل الجهد
حتى لو لم تكن لي به فائدة تجزي تعبي .
استعنت بالله وصممت أن أصمد حتى يفرجها الله
وكنا في شهر رجب.. من عادتي أن أعفي لحيتي لمدة أربعة أشهر وهي عادة متبعة لدي
كنت رافض لبس البدل و الدشاديش أرتدي الثوب فقط
والتعليمات توحي بعدم ارتداء الشماغ قطعياً فالسعوديات يحاربنا
سعودة الليموزينات وما نقوم به من حيل تنطلي على أغلبهن
ويكشفنا الكثيرات والبعض منهن (عليها من الله ضلال روح
يا صديق لف يا صديق ).
وجدت الكثير حتى من الشباب وغيرهم ويعلمون أنني سعودي
وأتكلم معهم كلام عادي إلا أنهم يكسرون معي الكلام حتى ينزلون
كان معي فتاتين وحديثي ولهجتي واضحة وضوح الشمس
وتخاطب رفيقتها تقول (لو صديق يعطيني وذينياته وأعطيه الهطل)!!
فقد وضحت معاناتها في طول أذنيها ..
ولكي أواكب الأمور وأسير مع الجمع
فقررت شراء كاب ودشداشه بنية اللون ولفاف أخضر
(ما فيه مشكل ماما )
(ما فيه معلوم طريق )
(واحد عشرة كثيررر قليل بابا )!
فبداء وجهي وهندامي مقبولان لزبائني فبعد ما كنت معرضاً للطرد
أصبحت أهز راسي !
تحسنت بعض الأمور حتى تغير الوضع من حولنا فقد تكاثر الأخوة
السعوديين في الليموزينات وأصبحوا الزبائن يدققون علينا ففي يوم بعد الغداء
أوقفتني سيدة ثم نظرت لي وهي مشككة وعندما أنزلت نظرها ناحية بطني قالت لا لا روح .
كنت (متغدي ) كبسه نافخه كرشي !
وبدأ مفعول الرز (يعمل عمايله) بنفخ كاذب لبطوننا !
..لحظت بعض السيدات كان أسلوبهن فض خصوصاً النساء الأتي يحملنا أرطال من الشحوم متوسطات الطول
البارزة خشومهن من خلف الحجاب أعرفهن من بعد! أبخل النساء على وج الأرض !
البعض منهن همجيات في التعامل
أنقلع !
(أذلف )!
فارق!
أهيب !
مواقف محرجة
( اطوطي براسي وأعشق في واحد لا من سمع ولا أحد درا )!
ربما حصل لهن مواقف أثارة ضغينتهن على الجميع أو تفريغ شحنات
غضب وفشت خلق . ولكن لما نحن المغضوب علينا ؟
ونحن من يقوم بخدمتهم وإيصالهم ومساعدة من يحتاج مساعدتنا
فكم من وقت خاطرنا بأنفسنا حتى نوصل طفلاً يئن من الألم للمستشفى وكم أوصلنا مسافراً قبل فوات موعده.. وللحق هناك فئة
منهن يركبن وهن يستغفرن الله ويرفعن الصوت لتوحي لي بأنها
دينه ومستقيمة ! وعندما تصل بيتها تدعوا لي بالتوفيق والرزق
وألاحظ فرحها بوصولها سالمة لبيتها مما يوحي بأنهن يتعرضن للمضايقات من السائقين ..
لقد عرفت أن عدم معرفتي بالطرق هو شرارة الحديث مع زبائني
وهو المفتاح السحري لتجاذب أطراف الحديث
فعندما أقترب من الإشارة أبداء بالسؤال عن الاتجاه
وكذلك الأخرى مما يثير حفيظة الراكب خصوصاً السيدات
ويتفتح الحوار لماذا ولماذا ومن أي منطقة؟
ويتمدد الحوار إلى أن نصل لحد الضحك في بعض الأحيان
أتذكر في مساءٍ
ذهب معي فتاتين وعامل على كفالة والدهن
كان الحديث بينهن والعامل بان الأشعة سليمة وأنه بخير وبصحة
وكنا نسير باتجاه مستشفى الشميسي
فدفعهن الفضول أيضاً لمعرفة لماذا لا أعرف طرق الرياض ؟.
فشرحت لهم أنني غريب عن المنطقة وجديد في هذا العمل
فأصبح الجميع يتكلم معي ويصف لي الطريق وتطرقنا لقيادة النساء
بالسعودية للسيارات .
فدار نقاش وتبادل لوجهات النظر
وشرحت لهن كيف يقمن الفتيات بقيادة السيارات في البادية وانه لا أحد يعترض طريقهن ..
وكانت الفتاة الجالسة خلفي تكرر (عشان كذا)
(ايه عشان كذا)!
وعندما وصلنا أشارة كبري الشميسي توقفت قبل الإشارة لأن
الرصيف يبعد كثيراً عنها وبينهما ممر لسيارات الاتجاه الآخر
فسألتني لماذا توقفت هنا ؟
وقبل أن أنهي شرحي لها انفجرت من الضحك !
وقالت ( لا والله ألا سقنا لو كنت أسوق ما وقفت ألا عند الإشارة )
أنا ضحكت وكان يدور في راسي وسوسة وعشرون سؤال .
هل هذا الانفتاح الذي نبحث عنه ! عشر دقائق تمكني من الحديث
والضحك والمزاح مع فتاة في العشرون من عمرها ؟. من أجمل المواقف يوقفني شاب في الثلاثين من عمره ناولني
خمسون ريال مقدماً ويشير للفتاة .. ركبت معي
وقال : ( خلك ورأي ) !
تحركت خلفه وأنا أفكر لماذا لم يوصلها هو ؟
جلست نظراتي ترقبها بريبه ويبدوا أنني أزعجتها بنظراتي!
فقالت : أزعجتني يأخي !
فقلت : بصراحة أمركم غريب ! السيارة تسير لنفس المكان
لماذا لم يوصلك ؟!
فقالت : لا تذهب بك الظنون بعيداً هذا جاري !
وزوجي في نفس الوقت ولكن زواجنا زواج مسيار
وحتى لا ننكشف أمام زوجته هذه طريقتنا في الذهاب للبيت !
وصلنا للبيت وطلبت أن أتقدم للبيت المجاور ونزلت وهو وأقف على مدخل بيته !
***
الموضوع الاصلي
من روعة الكون