الاحصنة وسيلة التنقل الاجمل في تلك الجزيرة الرائعة
جزيرة تجمع جمال البر والبحر
----------------------
من اسطنبول المليئة بصخب حياة العاصمة وقاطنيها وزحمة سير شوارعها وأسواقها المكتظة، الى جزيرة الأميرات، حيث الأجواء تنقلك الى عالم آخر لا يمت بصلة الى التطوّر والرفاهية باستثناء رفاهية الطبيعة وما تحمل بين ثناياها من راحة للنفس والعقل وسحر للعين. الانتقال من اسطنبول الى جزر الأميرات في بحر مرمرة بالقرب من الخط الساحلي لمدينة اسطنبول، يجمع بين متعة الرحلة البحرية على متن الباخرة ومتعة الرحلة البرية في عربة أحصنة يقودها «فارس» علّمته علاقته الطويلة بالسائحين بعض الكلمات الانجليزية التي تسهّل مهمة التواصل معهم وتكسر حاجزا لا يزال صعبا على الكثيرين من مواطنيه الأتراك. ساعة ونصف الساعة من الابحار، تكفي ليشعر المسافر بأنه ينتقل ليس من منطقة الى أخرى في بلد واحد، انما من عالم الى آخر مختلف تماما. وبعد التمتع بتصاميم البيوت الجميلة والمميزة على طول الطريق البحري، يصل السائح في نهاية المطاف الى ساحة عامة تشبه الكورنيش البحري حيث تنتشر المقاهي على طول الخط، فيما تحظى المطاعم، خصوصا منها التي تقدم المأكولات البحرية على أنواعها، بحصة الاسد، ويحرص أصحابها على عرض الأسماك الطازجة أمام محلاتهم على جوانب الطرق، فيما لا يزال قسم آخر منها، خصوصا ذات الأحجام الكبيرة، يصارع الموت في وعاء بلاستيكي مليء بالماء أمام عيون الزائرين. أما الكلاب والهررة المنتشرة بشكل كثيف جدا في هذه المنطقة فهي تتنقّل بين المقاهي وتستلقي في وسط الطرق من دون أن تؤرقها أصوات البائعين الذين يقفون على أبواب محلاتهم محاولين استقطاب الزائرين واغراءهم بما تحوي متاجرهم من المأكولات والشراب وحتى الألبسة.
المحطة الثانية والأهم في هذه المنطقة هي «جزيرة الأميرات» التي تختلف الآراء حول سبب تسميتها. اذ فيما يقول البعض ان اطلاق هذا الاسم يعود الى أنها كانت مصيفا مهما للأميرات البيزنطيات، يقول البعض الآخر إنها كانت منفى لهن أثناء الصراع الداخلي في العهد البيزنطي.
محطة عربات الخيل وسيلة النقل الوحيدة المسموح بها في هذه المنطقة، تنتظر ركابها في ساحة كبيرة خصصت لهذا الهدف، فيما يتسابق السائقون لعرض خدماتهم واستقطاب الزائرين. أما سكان الجزيرة الذين يكثر عددهم في فصل الصيف ويصل الى 250 ألفا ولا يتعدى الـ 17 ألفا في الشتاء، فيمتلكون دراجات هوائية يستخدمونها في تنقلاتهم بين المناطق، الأمر الذي يمنحها صفة المناطق الصحية بهدوئها وهوائها النقي.
نصف ساعة هي مدة الرحلة البرية على عربة الأحصنة، اذ تسحر عين الناظر بأشجار الطبيعة الخضراء الممتدة على جانبي الطريق بما يشبه المحميات الطبيعية في مساحات واسعة منها حيث تتنزّه الأحصنة البيضاء وتضيف الى المنظر العام سحرا مميزا. وفي مساحات أخرى تتوزّع المنازل والقصور ذات التصميم الأوروبي الرائع بموقعها الذي يجمع بين الطبيعة الخضراء ومنظر البحر الخلاب. ويقال ان هذا التصميم الأوروبي هو نتيجة التواصل التاريخي بين أتراك هذه الجزيرة والأوروبيين، فتعلّموا مهنة البناء والزخرفة وشيّدوا المباني ذات الطابع الأوروربي بألوانه التي تتنوّع بين الخشبي والزهري والأبيض والقرميدي والألوان الهادئة.
الوصول الى الساحة العامة لا يعني نهاية المشوار. فمن يطلب الاسترخاء والتمتّع بسحر المكان سيجد ضالته في المقهى الموجود في أحد الزوايا، حيث التصميم الخشبي يضفي على الطبيعة الخضراء رونقا خاصا يشبه المقاهي القديمة والأثرية.
ومن يختار المغامرة والرياضة فما عليه الا صعود الجبل مشيا على قدميه في مدّة لا تقل عن نصف ساعة. لكن معاناة الصعود والتعب تمحوها متعة طبيعية لا تشبه سواها من كل النواحي، خصوصا لجهة الجمع بين الجبل والبحر، حيث يطلّ المشهد من جهة على بحر مرمرة وجزيرة أخرى تقع في وسطه ويقال عنها انها تضم سجناء سياسيين، فيما تسرح العين على طول الجهة اليمنى في نباتات وأشجار ومنها الفراولة البرية التي لا بدّ للسائحين أن يستلذوا بطعمها الشهي الطازج.
وقبل الوصول الى رأس الجبل، يستقبل السياحَ شابٌ تركي يحمل الغيتار بين ذراعيه مغنيا ليطرب الزائرين الذين يحرصون على القاء التحية عليه والتقاط الصور الفوتوغرافية له، كما أنهم يشترون من البضاعة التي يعرضها أمامه، وهي في معظمها عبارة عن حرف صنعت يدويا.
وفي رأس الجبل حيث تقع احدى الكنائس يشعر المرء بأنه وصل الى أعلى قمة في هذه الدنيا، تنكشف أمامه روائع الطبيعة، فتسرح العينان على امتداد النظر لتلتقطا أروع صور الكون وأكثرها سحرا. والاستراحة على قمة الجبل لا تكتمل الا بجلسة هادئة في احد المطاعم المجهّزة لاستقبال زائريها بتصميم قروي حديث. ولطريق العودة أيضا متعته الخاصة. بعد مرور ساعة من الوقت، المدة المحددة التي يمنحها سائقو العربات للزائرين كي يتمتعوا بروائع هذه الجزيرة، يدق جرس العودة ويختار «الفارس» أن يجتاز طريقا مختلفا عن ذلك الذي سلكه في المرّة الأولى. المنظر العام لا يختلف كثيرا. الأشجار الشامخة من كل حدب وصوب هي نفسها، كذلك الهندسة المعمارية العريقة، أما الاختلاف الوحيد فيكمن في المرور بمنطقة بدوية الطابع حيث يعيش قائدو العربات الذين يؤمنون قوتهم اليومي من هذه المهنة ويعتمدون عليها بشكل كبير في فترة الصيف حيث تكتظ بالمصطافين الأتراك والسائحين العرب والأجانب.
<< منقول
الموضوع الاصلي
من روعة الكون