مفهوم "الحقيقة" في العلم والنسبية والفلسفة واللغة
طلال احمد
20/10/2007
الحقيقة والعلم المادي
الحقيقة شيء يبدو أكثر هلامية وغموض كلما تعمقنا في البحث والخوض فيها ..
فعلمنا أن الحقيقة التي نراها ونسمعها ونلمسها ليست إلا نسخة كهربائية وعصبية من الحقيقة الفعلية يجعلنا نتوه أكثر في فهم وإدراك عين الحقيقة ..فكل ما يصلنا وما نستقبله من هذا الواقع ليس إلا صور كهربائية وسيالات عصبية تنتقل إلى أدمغتنا ليعطيها دماغنا شكلاً وإحساساً معينا..قد لا يكون هو الشكل الحقيقي للأشياء والحقائق التي ندركها ..فعندما نرى الكرسي مثلاً فنحن لا نرى عين شكله الحقيقي بل نرى تلك النسخة كهربائية التي تصل إلى أدمغتنا ليعطيها دماغنا الشكل واللون والإحساس المعين..لذالك العلم الدماغي والمادي يؤمن بأن الواقع مختلف عن ما بأدمغتنا وخلف حواسنا وان الواقع هو ذالك الكم الذي يكمن بداخلنا ونقوم بترجمته وتفسيره وتحليله بداخلنا
الحقيقة والنسبية
الحقيقة شيء نسبي في حياتنا يختلف شكلها ومضمونها وإدراكها وفهمها من مكان إلى مكان ومن شخص إلى شخص ومن ثقافة إلى ثقافة ..فما يبدو لي حقيقة لا يبدو لشخص آخر كذالك ..فما هو هنا في اليمن جميل قد يبدو في دولة أخرى في غاية البشاعة ..وما يبدو لمسلم منطق قد يبدو لغير المسلم قمة التناقض ..والعكس ...الحقيقة نسبية معظماً في معظم الأشياء التي تخلق شكلها الحقيقي نسبية المكان والزمان والفكر والثقافة وغيرها من العوامل التي تصقل في عقولنا وأذهاننا... فمثلاً قد يرى البعض أن لـُعاب الكلب نجس لما يحمله الشخص من نسبيه في بيئته وأفكاره وثقافته التي جعلته يرى هذا اللعاب بهذه الحقيقة بينما قد يرى الغربي اللُعاب شيء عادي جداً ويعتبر لُعاب الكلب قبلة مدغدغة فقط يستمتع بها حين يلاعبه كلبه والسبب هو نسبية الثقافة والبيئة التي جعلت يرى هذا أللُعباب بهذه الحقيقة ..
الحقيقة والفلسفة
حاولت الفلسفة والفلاسفة بكل تاريخا ومجهودها أن تجعل او توجد للأشياء منطق واحد وحقيقة واحدة لكنها مع هذا كانت تختلف في عمق اتفاقاتها ..ولكن اكبر ثمرة قدمتها لنا الفلسفة هي القواعد المنطقية التي من خلالها يمكننا الاقتراب من الحقائق يوماً عن يوم ..فكانت الفلسفة هي الأرض الخصبة التي تنموا عليها الحقائق..فلطالما خاضت الفلسفة مجالات وتساؤلات لا محدودة تنشد فيها الحقيقة كيف ما كانت
الحقيقة وعلوم النفس وعلوم الفلسفة
الخوض في هذه العلوم يعلمنا أن الحقيقة دائماً ما تكون هي نتاج روح فكرنا الذي نحمله وروح تلك العقلية التي نحملها ونحمل تراكماتها الثقافية والتقليدية والسلوكية والتي من خلالها تبدو لنا الأشياء ومضامينها ..وبأن الحقيقة هي حالات نفسية تخلقها عوامل كثيرة تتراكم على شخصياتنا وعلى أذهاننا فتتحول إلى سلوك ورؤية..
الحقيقة واللغة ..
في البدء كانت الحقائق والأشياء مجهولة الأبجدية والأسماء حتى ابتكرنا ما إعطانا الهوية والتاريخ والمعنى " اللغة "
اللغة الأبجدية بمختلف لغاتها كانت هي الاختراع الأعظم للبشرية الذي منه صنعنا هويتنا كبشر وكتاريخ وكمحاكاة لهذا الواقع الأصم حتى جاءت حروفنا وألفاظنا ومعانينا فحركت سكونه وتحركنا معها فكانت اللغة هي قيمتنا وجسرنا نحو الوصول إلى ذواتنا والى الأشياء من حولنا ورؤيتنا لها ..
لكن مع هذا الاختراع العظيم إلا أن اللغة لم تستطع التعبير عن عين واصل الحقيقة في معظم الأوقات فلغتنا اضعف من عين الحقيقة فنحن نطلق مثلاً على الخمر خمر لأنه يعمل على عملية تشبه التخمير او الخمار "الغطاء " على الشيء أي أننا نـُشبه هذا السائل بهذه المفردة التي لا تعني عين واصل حقيقة هذا السائل بل تعني التشبيه المجازي له ..وأيضاً نطلق على العقل عقل كمفردة مشتقه من تعقيل الناقة او عقل الناقة او عقال وهو الحبل الذي تربط او تعقل به الناقة أي أن تسميتنا لذالك العقل فينا هي تسمية مجازية متفرعة وليست تسمية تعني عين ما نحمله في رؤوسنا وأنفسنا ويكون له القدرة على التفكير والتدبير ..ومن هنا نجد أن لغتنا ومعظم اللغات في العالم عاجزة عن التعبير عن عين الحقيقة دون الخوض بالتفرعات والتشبيهات والمجازيات ..وهذا كله يجعل من الحقيقة تتوه بين كل هذه المجازيات والتشبيهات وتجعل من تواصلنا وتعبيرنا عن الحقيقة يختلف باختلاف لغاتنا وإدراكنا نحو لغاتنا ولغات الآخرين من حولنا ..
***
اخيراً الوعي بكل هذا يجعلنا أكثر تقبلاً للحقائق وأكثر امتصاصاً لصدماتها وتقبلها ..
ومع هذا كله سنضل نبحث عن حقائق لنرتوي وضوح هذا العالم الذي هو خلف حواسنا ...لأننا نريد إدراك ما الذي من حولنا وما الذي ينتظرنا وما الذي أوجدنا ..وما الذي يمكن أن نصل إليه او نتفق عليه في عالم يحترف الغموض ويثبت لنا ذالك في كل مره ندقق فيه .
تحياتي
الموضوع الاصلي
من روعة الكون