لما كنت في إحدى رحلاتي خلف الغيوم ، واجهت ما واجهت من معاني التدفق والحنان في تلك المدينة .
زهرها ، روضها ، عطرها ، خمرها ، سكرها ، عربدتها ، هولها ، خطرها ، كل شيء فيها يبعث الإحساس الجميل ، بصورته البشعة .
أي نعم منتهى المدينة ، منتهى المدينة .
دعونا نتقاسم جميعا حروفها بمنتهى الصراحة ، أو بمنتهى الحنان ، أو بمنتهى الاستمطار اللعابي الشره .
دعوني أحلم بحروفها مفككة ، م ، ن ، ت ، ه ، ى ،،، لا لا لا ما جتني كذا مع بعضها دفعة قائمة ، أو نائمة ، أو (( ما يحتمل أن أصوغ الكلام ، عن تلك الغمام )) .
ممكن أعيد الصياغة بمنتهى الألم ، ميم ، نون ، تاء ، هاء ، ألف مكسورة . آه ، من أين هذا الألم ؟ ! من أين هذا الحلم ؟! من أين هذا الوداع ؟! من أين تلك اللحظة القاتلة ؟!
تبدأ مدينتي بمنتهى التفكك ، وتنتهي إلى منتهى الانكسار ، يعني بلاء من أولها مدينة ، وفي آخرها قنينة .
مصيبة تلك المدينة ، مصيبة تلك المسيرة ، مصيبة تلك العظيمة .
أيها القوم ، تعالوا وانظروا هنا ،أو هناك ، أو فوق القمر ، أو تحت الحجر ، أو عند الغيوم ، أو بين النجوم ، هل تلك المدينة فاتنة ؟ هل تلك المدينة رائعة ؟! هل تلك المدينة حالمة ؟! هل تلك المدينة ظالمة ؟
كل القواميس قرأتها عليها ، كل المعاجم نثرتها بين يديها ، كل الهرطقات القديمة جمعتها لعينيها ، هل زاورتني تلك المدينة ؟ أو عاشرتني تلك المبيرة ؟ أو سامرتني تلك الأميرة ؟ أو قبلتني تلك الشريرة ؟
آه ما ألذ عناقها ، وأوطأ رصيفها ، وأحلى سفينها ، وأجمل مغيبها بحزنه وجلاله وهيبته وضياعه .
مدينتي بمنتهى الصراحة ، هي : منتهى المدينة ، عشت فيها بعض الزمن ، يمكن دقيقة من عمر الفتن ، أو نصف ساعة من غيرة وثن ، أو ملل بدون شيء من الملل .
منتهى ذكرياتي سجلتها في أمل ، وسحبتها على الألم ، ورضيت أن تكون الحلم ، لكنها باءت بالمغيب ، تقول تلك المدينة :
طفلي ،لست ككل الأطفال .
طفلي ، أنت الآن في زمن الرجال .
طفلي ، ألعب بعيدا عن الأطفال .
(( قهقه الصمت من كرب المصاب ،واحتوتني من كلامك كل ألوان العذاب ، أحمر وأصفر وأخضر وبعض الغبار ، يوم شاف مني هم ارتفع في سما صوتي وطار ))
أغضى الطفل الأديب عنها ، لا هي التي أغضت عنه ، وتركت فيه صخب المدينة .
انظروا إلي الآن من بداية المدينة تفكك ، وفي نهايتها كسر ، ممكن يدل هذا على ألم أو أمل أو لؤم أو يدل على م ن ت ه ى السأم .
خدعة لما التفت إليها وجدتها في قلبي ، والتفت هي نحو الغروب تقول :
طفلي دع عنك الألم .
ابحث عن الأنثى بين أكوام الأمم .
ومن عجبي سكت ، صمت ، هدأت ، لكني بكيت .
بكيت أنثى طالما احتوتني ، طالما رعتني ، طالما صفقت لي ، طالما متعتني ، طالما جننتني ، طالما وطالما في نصف دقيقة من الحقيقة .
طويلة ، وربما قصيرة ، غريبة وربما معروفة ، هادئة وربما مجنونة ، جميلة وربما مهيبة ، كل شيء منها تصطحبه ربما إلا أنني لا أقول ربما إذا عرفت أنها طفلة انتزعت مني ألعابي ، أخذت مني ألعابي ، أكلت عني ألعابي ، اغتصبت مني ألعابي ، فقولوا لي بمنتهى المنتهى :
ويـــــــــــــــــــــــــــــــن
ألــــــــعــــــــــابــــــي؟
الموضوع الاصلي
من روعة الكون