كانت الأسرة المسلمة – ولا تزال – تمثل لبنة أساسية في المجتمع الإسلامي ، وتمثل حصن هذا المجتمع وقلعته، ومنذ أن اكتشف الغربُ رغم حضارته أنه لا يمكن أن يخترق الأمة الإسلامية أو يدمرها بالوسائل العسكرية عقب محاولاته ومخططاته العسكرية سعى إلى تغيير وسائله فتحول من المواجهة العسكرية إلى الفكرية والسلوكية، وهو ما يُعبر عنه عادة في الأدبيات الإسلامية بـ"الغزو الفكري" وكانت أهم أدواته في ذلك إنشاء جيش من التبشيريين والمنصرين والمستشرقين وتأسيس كراسٍ للدراسات الاستشراقية التي تستهدف اكتشاف العالم الإسلامي واختراقه لمعرفة عاداته وتقاليده ونفسية أبنائه.
وكانت جيوش المنصرين والمستشرقين طليعة الاستعمار الغربي للعالم الإسلامي كما كانت هذه الجيوش الاستشراقية هي الأساس الذي قامت عليه مراكز الأبحاث وأجهزة الجاسوسية والمخابرات المتصلة بالنفاذ إلى أعمق أعماق عالمنا الإسلامي.
وبعد انتهاء الاستعمار العسكري ظل العالم الإسلامي – بحكم ما يمثله من امتلاك للقوة الحضارية والروحية المتمثلة في الإسلام - محط اهتمام لما يمكن أن نطلق عليه (الاستشراق الجديد) وهو الذي لا يعتمد في دراسته عن العالم الإسلامي على جنوده وأبنائه من الغرب، بل يسعى على وجود مستشرقين من أبناء العالم الإسلامي نفسه بحيث تقوم علاقة ترابط قوية بين المراكز الاستشراقية في الخارج وبين أطرافها وذيولها في الداخل.
وتمثل ظاهرة (الأبحاث المشتركة) عن المجتمع الإسلامي فيما يتصل بمظاهر قوته الخاصة بالصحوة الإسلامية، واللغة العربية، والأسرة المسلمة، والحجاب وانتشار السلوك الإسلامي، فلم يعد الذين يرصدون الظواهر التي تمثل مظاهر قوة في المجتمع الإسلامي من الغربيين وإنما هم اليومَ من جلدتنا وأبنائنا ويتحدثون بألسنتنا.
ووجدت نخبة متغربة تتبنى قيم الغرب نمطًا للحياة بديلاً عن النمط الإسلامي للحياة، وقد استطاعت هذه النخبة السيطرة على مراكز صناعة القرار وخاصة الإعلام والفكر والكتابة، وصارت الذراع الفكري التي تحمي النظم الحاكمة وتسوّغ لها الاندفاع في التبعية للأفكار والقيم الغربية، تارة باسم التقدم، وأخرى باسم الوراثة.
وبعد سقوط الاتحاد السوفياتي – غير مأسوف عليه – صارت أمريكا القوة الوحيدة المهيمنة على العالم، وطرحت ما أطلقت عليه " النظام العالمي الجديد " ، ثم نظام "العولمة" ورغم أن المصطح الأول اتخذ طابعًا تبشيريًا يشير إلى وجود نظام عالمي مرجعي واحد للعالم، بحيث تتلاشى الخصوصيات والصراعات، وتتوحد المعايير في التعامل مع المواقف المتشابهة، إلا أن الوقائع أثبتت فشل المصطلح.
أما المصطلح الثاني " العولمة " فرغم أنه حاول المراوغة بالحديث عن نظام اقتصادي تبادلي تيسره الثورة التقنية إلا أنه استبطن فرض منظومة قيمية فيما يتصل بالسياسة والثقافة والاجتماع.
ويبدو أن الغرب يشعر بأنه حقق ما أراده بالنسبة إلى العالم الإسلامي فيما يتصل بالسياسة عن طريق سيطرته على الأنظمة الحاكمة وفرص ما يريده عليها، وأن شهيته الآن بدأت تتجه إلى نظام اجتماعي أساسُهُ الأسرة، والثقافة والقيم الدينية، وفي حالة العالم الإسلامي فإن القيم الإسلامية هي التي تسهم في صياغة الأسس الاجتماعية والثقافية وتنظم حياة البشر والناس.
إن الغرب قد شعر أن الناس في العالم الإسلامي يأبون أن يجعلوا عبوديتهم وولاءهم لغير الله، ومن هنا كان اقتحام عالم الأسرة التي تمثل أساس المجتمع الإسلامي.
وبشكل عام فإن الغرب وأمريكا خاصة يتبنى "سياسة تفكيك المجتمعات" أي جعل أهلها شيعًا وأحزابًا، وهي السياسة الفرعونية التي تعبر عن الطاغوتية والاستعلاء، ولكي تفكك هذه المجتمعات فإنها تسعى إلى ضرب مواطن القوة التي تحول دون اختراق المجتمعات الإسلامية، وأحد أهم مواطن القوة في العالم الإسلامي نظام الأسرة الذي يحفظ للمجتمع قوته وتماسكه، وتبدو الهجمة الغربية الأمريكية الآن عبر تسيّدها وهمينتها وشرائها للنخب العنكبوتية، واحتفائها بجمعيات ضغط نسائية منتفعة، وعبر جمعيات حقوقية نسائية وأخرى عامة، ومن خلال تمويل هذه الجمعيات وكأنها تفرض فيها ولو بالقوة "أجندة" خاصة، وتتصدَّرُ الأسرة وقضاياها الأولوية من الهجمة الغربية الأمريكية الجديدة، وهذه الهجمة تؤكد أن الغرب ووكلاءه في المنطقة ينتقلون من التخطيط والإعداد للغزو الفكري والقيمي للعالم الإسلامي إلى التنفيذ منتهزين لحظة تاريخية – إنما هي القوة المستبدة للغرب وضعف العالم الإسلامي.
إن ما يحدث اليوم هو التلاعب بقواعد المجتمع الإسلامي وطرح قواعد جديدة مستلهمة من الرؤية الغربية إلى حد محاولة فرض أيديولوجية نسوية جديدة لها انتشارها وذيوعها كما كان الحال بالنسبة للاشتراكية والشيوعية والليبرالية، وتكون هذه الأيديولوجية عابرة للقارات، بحيث تكون المساواة بين الذكر والأنثى محورها.. إنها حرب حقيقية تحتاج إلى وعي وجهاد لمدافعتها ورد خطرها عن مجتمعنا الإسلامي.
الموضوع الاصلي
من روعة الكون