بسم الله الرمان الرحيم
وصف الحكيم الصيني القديم "كونفوشيوس" ـ ذات مرة ـ التآلف بين الزوج والزوجة والأطفال بأنها "موسيقى العود والقيثارة". ما يزال تأثير "كونفوشيوس" علي الحياة العائلية الصينية ـ وبخاصة تعاليمه حول طاعة الوالدين والعلاقة بين الأسرة المستقرة والدولة المستقرة ـ محسوسا حتى اليوم.
على أنه منذ أيام "كونفوشيوس" وقعت العديد من التغيرات ـ وبصفة خاصة ـ منذ قيام جمهورية الصين الشعبية.
طبق الشيوعيون الجدد ـ في عام 1950م ـ قانونا جديدا للزواج؛ وهو أول قانون تسنه الصين الشيوعية حتى قبل إصدار الدستور.
سجل الحكام الجدد، من خلال تجريمهم لممارسات طويلة العهد مثل المعاشرة بدون زواج، والزواج من اثنتين، ومقايضة العرائس بالسلع، ودفع المهور ـ نهاية لنظام الزواج الإقطاعي، وأعادوا تحديد العلاقة بين الأسرة والدولة.شهدت الحياة الأسرية في الصين ـ بالمثل ـ تغيرات جذرية في عصر ما بعد "ماوتسي تونج". تأسس أول نادٍ للأب الأعزب، والأم الوحيدة حديثا في بكين، كما أصبح من المشروع تقديم الخدمات الإنجابية للنساء الوحيدات، كما تم تخصيص خطوط هاتف لتقديم النصيحة للمثليين في شنغهاي، إضافة إلى تأسيس أول نادٍ للطلاق في شنغهاي في عيد الحب من العام الحالي.
في ظل تطبيق إصلاحات السوق وتزايد التحضر وتصاعد مستوى الرخاء والتعليم، وتزايد المسئولية الفردية، أصبحت الحياة الأسرية الصينية تعكس ـ بصورة متزايدة ـ الاتجاهات السائدة في الغرب.
سياسة الطفل الواحد
مما يعتبر مظهرًا فريدًا في نوعه في الحياة الأسرية في الصين، سياسة الدولة بشأن الاقتصار على طفل واحد؛ التي فرضتها السلطات منذ عام 1978، والتي تفرض على العائلات في المدن الاكتفاء بطفل واحد، أما في الريف فإن للزوجين محاولة إنجاب ابن إذا ما كان طفلهما الأول أنثى، مع طفيفة استثناءات بالنسبة لمناطق وأقليات معينة.
بالرغم من ذلك، كان لسياسة الطفل الوحيد تأثير عميق على العلاقة بين الآباء والأبناء، وعلى وضعية المرأة، وفرص الزواج والتعليم والتخطيط العمراني، وحتى على تصميم السيارات. وصل أول جيل من أطفال سياسة الطفل الواحد ـ الآن ـ إلى سن النضج، وبدأوا يبلورون وجهات نظرهم الجديدة الفريدة في الحياة الأسرية.
نجحت سياسة الطفل الواحد في تخفيض معدل المواليد الي حد كبير جدا، على أن الأهمية التقليدية لحمل الذكر اسم الأسرة، واعتبار الابن سندا للأسرة بأسرها وخاصة في المناطق الريفية ـ مقترنا بتقنية الإنجاب ـ أدى إلى وقوع اختلال خطير في النسبة بين الذكور والإناث في الصين اليوم.
نادي القلوب الوحيدة
بلغت نسبة الاختلال النوعي الآن 120 ولدًا مقابل كل 100 بنت تولد. ويقدر أن 40 مليون رجل لن يجدوا زوجات في السنوات العشر المقبلة؛ ويعيش بعضهم بالفعل في "أحياء للعزاب"، وقد وصفت الصين بأنها "أكبر نادٍ في العالم للقلوب الوحيدة". وردت أنباء حول خطف النساء، ونظرًا لأهمية حمل الذكر اسم الأسرة؛ فإن بعض الرجال يلجأون للاشتراك في ـ أو اقتراض ـ زوجة تكون لها حرية المغادرة بعد إنجابها ابنًا. حاولت السلطات معالجة الاختلال في النسبة بين الذكور والإناث من خلال حظر تصوير الجنين في بطن أمه قبل الولادة لمعرفة نوعه على سبيل المثال.
مما يضاعف من حجم المشكلة النزوح الهائل للسكان من الذكور الريفيين المنتجين إلى المصانع والمدن؛ هؤلاء الذين تضاعف جهودهم الرخاء الاقتصادي في الصين.
خلت بعض القرى إلا من الأطفال وكبار السن، ومن تركوا وحدهم ليعتني الواحد منهم بالآخر. ليس هناك إلا القليل من النساء الريفيات المهاجرات ممن يعتبرن مستعدات للعودة إلى الريف. تأمل أولئك النسوة في العثور على أزواج من المدن حتى يضمنَّ الحصول على حق التسجيل في المدن، وبذلك يصبحن قادرات على الحصول على مسكن ومعاش وفرص عمل ورعاية صحية أفضل.
الخيانة الزوجية
بينما تنتشر العائلات في أي مكان يمكن العثور فيه على فرصة عمل، أصبحت الخيانة الزوجية ـ وبصفة خاصة الحياة معا دون رابطة زوجية ـ ظاهرة سائدة على نطاق واسع للغاية؛ حتى أن قانون الزواج الجديد لعام 2001 أدان صراحة الزواج من اثنتين، وتعدد الزوجات.
تقول "ميلودي تشيا دين لو" عضو المعهد الدولي للدراسات الآسيوية التابع لجامعة ليدن، والمتخصصة في قضايا النوع والهجرة: "توصلت بخبرتي الشخصية إلى حدوث غض للبصر عن تلك الأوضاع. يثرثر الناس ويعرف كل شخص في القرية ما يحدث؛ إلا أنه لا يتم التعبير عنه صراحة ما لم تؤد العلاقة إلي تحطيم وحدة الأسرة أو تلاحمها الاقتصادي".
الإرجاء
على النقيض من سكان الريف فإن المهنيين من شبان المدن المتعلمين يواجهون مشاكل مختلفة تماما فيما يتصل بالزواج والحياة الأسرية. في ظل الخصخصة المتزايدة للتعليم والرعاية الصحية ورعاية كبار السن يخضع هؤلاء الشباب لضغوط هائلة للحصول على تقديرات عالية تتيح لهم الالتحاق بالجامعة؛ ليتيسر لهم الحصول على فرص عمل طيبة. يعني ذلك تأجيل الزواج حتى تتيسر إمكانية شراء شقة وتربية طفل. أصبح متوسط سن الزواج الآن 28 عاما بالنسبة للرجال و27 عاما بالنسبة للنساء.
يملي القانون على المواطنين الصينيين رعاية آبائهم من كبار السن، وتضيف حقيقة الابن الوحيد المزيد من الضغوط. في نفس الوقت توضح استطلاعات الرأي العام رفض 40% من الرجال و47% من النساء لفكرة تربية طفل باعتباره أمانا لهم. ترى "ميلودي" أن الجانب العاطفي للأبوة والأمومة يطغى على اعتبارات الأمن الاقتصادي.
قاعدة الأسرة الصغيرة
سرعان ما أصبحت الأسرة النووية الصغيرة (زوجين وابناؤهما فقط) القاعدة السائدة خاصة في المدن؛ حيث يتألف 60% من الأسر من الأبوين والأطفال فقط. تجتمع الأسرة الممتدة؛ التي تشمل أبناء العمومة والأجداد والأعمام والأخوال معا؛ لتجديد روابطهم الأسرية مرة كل عام على الأقل، وخاصة خلال الاحتفال الصيني بفصل الربيع. ما يزال للجيل الأول الذي ولد في ظل سياسة الطفل الواحد عمات وأعمام وأبناء عمومة؛ لكن أبناؤهم لا يكترثون لهذه العلاقات.
يفضل بعض المهنيين الشبان من سكان المدن ـ كما هو الحال في الغرب ـ البقاء كعزاب، بينما يختار البعض الآخر عيش الزوجين معا، متمتعين بدخل الطرفين وبدون أطفال. تتزايد أيضا معدلات الطلاق وبخاصة في المدن.
غير التعديلات التي أدخلت على قانون الأسرة الذي تم في عام 2001 الوضع القانوني للطلاق، وبسط إجراءاته. تقول "ميلودي لو": "إن الزواج لم يعد ارتباطا لمدى العمر، وإنما عقد بين فردين". تضيف "لو": "أنه من السهل بالنسبة لسكان المدن التعامل مع الزواج باعتباره عقدًا، أما في المناطق الريفية فإن الرواسب القديمة مازالت قائمة"، وتشير إلى "أن هناك مشكلة في الاهتداء لزوج جديد. بل إن كثيرات من الزوجات المطلقات يضطررن للهجرة بهدف العثور على زوج آخر؛ لأنه من العسير جدا التزوج من زوج آخر في نفس المكان". علاوة على ذلك فإنه نظرا لاستمرار أهمية إنجاب ابن يحمل اسم العائلة يكون من الأرجح منح الوصاية على الابن لأبيه وليس لأمه".
تغيير وليس تدهور
خلاصة القول أن الحياة العائلية في الصين في تغير. على أن ذلك لا يعني ـ بأي قدر ـ أنها في حالة تدهور. أصبح هناك تركيز أكبر على الاختيار الشخصي والحرية ومزيد من المساواة بين الجنسين، بل أصبحت هناك رابطة أقوى بين الآباء والأبناء بالمقارنة بما كان في ظل الأمن الجماعي للحقبة الماوية. أصبح الآباء مستعدين لتقديم تضحيات هائلة في سبيل أولادهم، وذلك في جانب منه، كما تقول "لو": "لاحتفاظهم ـ في خلفية أذهانهم ـ بتأمين هؤلاء الأبناء لهم لدى بلوغهم سن الشيخوخة".
غيرت حقيقة توفير زوجة الابن الرعاية لكبار السن ـ عادة ـ وضعية وقيمة المرأة داخل العائلة. على الرغم من تزايد الاتجاه إلى تكوين أسر صغيرة؛ فإن مشروع الأسرة الصينية المشهور مازال من المؤسسات التي تواصل ازدهارها وتشكل مشروعات العائلات الصينية ثلث الأسماء في القائمة التي تضم أكثر 500 شركة عالمية ثراءً في العالم.
الموضوع الاصلي
من روعة الكون