خرجت من منزلها سيراً على أطراف أصابعها .. نظرت حولها نظرات
مريبه .. أغلقت خلفها الباب بهدوء و بحركه عفويه و ضعت أصبعها
الشاهد فوق شفتيها و همست لنفسها (( هُس )) ... بعدها تنفست الصعداء
شعرت بالنجاح الكبير أثناء إتمام عملية الهروب من المنزل .
لكن بقي أمامها خطوات .. فاختارت لنفسها موقعاً بعيداً عن الأعين تحت
ظل شجرة كبيرة في حديقة منزلهم و ترقبت السيارات القادمه و الناس ، و
جميع أنواع المارة حتى قطط الحي . كانت تنظر إلى ساعتها مع كل نبضة
قلب تقريباً . ثم تمد يدها إلى ملابسها لتزيد من ترتيبها .. وتمرر أصابعها
فوق تسريحه شعرها .. أحياناً كانت تخرج المرآة من حقيبتها لتطمئن على
جمالها و أناقتها .. طال إحساسها بالانتظار رغم أن عقارب الساعة لم
تتزحزح إلا قليلاً ، فبدأت تحدث نفسها قائلة: هل نسي فؤاد موعدنا ؟ أم أنه
يتجاهلني ؟ أم يريد أن يختبرني ؟ أم ... أم ؟ و ماهي إلا لحظات .. حتى
حضر (( فؤادها )) ... وبخفة ورشاقه قفزت إلى سيارته و أغلقت الباب
خلفها ، ثم اتكأت على الكرسي بجواره و قالت:
- مرت الأمور بسلام ..
أما هو فقد ابتسم لها و نظر إليها نظرة شملتها كلها ، ثم مد يده نحو شريط
المسجل فرفع صوت الشريط وبدأ يدندن معه بينما زاد سرعه سيارته
فانطلق وكأنه في سباق دولي ! حاولت التحدث إليه .. لم يأبه بكلامها أو
نظراتها اليوم ، إن قلبه وعقله مشغولان بشىء ما . نفسها حدثتها .
داخل قلبها شيء من الريبه عندما لاحظته يغير طرقه المعروفة لديها و
التي كان يسلكها سابقاً. سألته :
- فؤاد .. ما بك؟ الطريق لم أعهدها من قبل !!
ابتسم و أجابها ببرود :
- اليوم ستكون نزهتنا في مكان لم تألفيه .. مكان بعيد عن أعين المتطفلين من الناس .
- أن أكون بعيدة عن أعين المتطفلين شيء مطمئن ..
ثم أطرقت قليلا ً و سألته بلهفة :
- وهل المكان موحش ؟
ضحك ومد يده نحوها وسألها: وكيف يكون موحشاً و أنا معك؟؟ ها كيف؟..
يا الله لقد توغل في الطرق الجانبية ... لقد أصبح المكان موحشاً و مظلماً و
مقفزاً!!..
صاحت به:
- فؤاد! ما بك؟ إلى أين أنت ذاهب ؟.
وقف فؤاد إلى جوار جبل شامخ و أشار إلى زاوية بعيدة وقال لها:
- هناك .. هناك سنجلس قليلاً ثم بعدها إلى الشاطئ!
- ولماذا؟ ولماذا اخترت هـذا المكان بالـــذات ؟
سألته بلهفة ..
- أوه .. قلت لك ألف مرة .. لكي نكون بعيدين عن أعين المتطفلين و
المزعجين ..
ثم أكمل قائلاً:
- هيا .. هيا يا قطتي المدللة كوني شجاعة وقومي وسيري معي إلى هناك .. إنها نزهة بسيطة جداً !!
سألته: أأنت مطمئن لهـذا المكان؟ ألا يوجد وحوش هنا أو هوام؟
ابتسم وقال: صحيح أنك خفيفة الظل! وهل تشكين برجولتي وقوتي يا حلمي
الغالي !!.. يا آنسة (( أحلام ))؟ أم أنك تشكين بنواياي نحوك؟
فتح باب سيارته و أخرج لها علبة جميلة فتحها أمام عينيها وقال لها:
- انظري أيتها الحبيبة ..!
دهشت وقالت: يا الله , ما هـذا؟
- إنها شبكتك التي اخترتها لك و التي سأقدمها لوالديك بعد خطبتك و (( تقبيل أياديهما طبعاً )) .
استراح قلبها قليلاً ووجدت نفسها تشاركه الضحك و المسيرنحو ذلك المكان.
وصلا إلى ذلك المكان الكئيب – حسب تعبيرها – قالت له معلقة: يشعرني
هـذا المكان بالوحشة و التوحش.. أعتقد أن ذئاب الصحراء تفتك بضحاياها
هنا.
ضحك وقال لها: ربما, لكن لا يهمني ذئاب الصحراء . تهمني قططها
المدللة، وتأسرني الفتاة الجميلة الأنقية التي تنبض بالإغراء و الإغواء و
الحيوية !!
مسك يديها ونظر إلى وجا وقال:
أحلام.. ياحلمي الجميل، الآن سوف أحقق، منـذ ومن وأنا أخطط لهـذه
اللحظة..
أحلام هيا معاً إلى عالم الأحلام .
اقترب منها أكثر وضغط على جسدها ..
نظرت إليه بعينين جاحظتين من هول المفاجأة .. ثم صرخت بصوت مرتفع
فلم تسمع سوى صدى صوتها ..
مع صدى قهقهاته، ركلته بقدميها ..ضربته بيديها .. شتمته كل الشتائم التي
ذكرتها .. بصقت في وج. لكنه لم يأبه لكل ذلك، استمر في اللإقدام
على ما عزم عليه ودبر له .
لحظتها أحست أن معسول الكلام ليس إلا علقماً مراً عندما يصدر من
شاب، و أن الرقة و الحساسية و الشفافية و العاطفة التي كان
يظهرها لها إنما هي غطاء سميك لأنياب ذب فتاكة ولقلب ثعلب ماكر .
لحظتها .. اهتزت الأرض تحت قدميها فلم تدر أين تضعهما . ودت لو
تتزلزل الأرض كلها ويندثر العالم ويتلاشى الكون ويدمر فوق رأسها كل
المخادعين و الكـذابين و المنافقين و الدجالين أمثال فؤاد.. ويستحق هـذا
الوجود ويتناثر فوق رأس الأغبياء و السـذج و المغفلين أمثالها..
كانت تفكر بهـذه الأفكار وعيونها تنهمر كالأنهار... بينما كان فؤاد ينظر
إليها مبتسماً ابتسامة النصر!! ساد بينهما صمت كئيب سافر كل منهما خلال
دقائقه القليلة عبر دروب متخبطة من الأفكار، بعد دقائق التفتت حولها..
أحست أن الكون حولها ثابت راسخ راضخ لسنن الله راض بأمر الله، قالت
لنفسها سيبقى الكون كما هو لأنه ائتمربأمر الله أما أنا... أنا التي تستحق
السحق و القتل و الحرق و النسيان لأنني لم أعِ أوامر ربي ولم ألتزم بها.
شعرت بخجلها الشديد من خالقها وبارئها... لأنها لم ترتد لباس التقوى
فبقيت عابثة عارية من الخير. وسلكت كل الدروب التي أبعدتها عنه
سبحانه.
ابتعد فؤاد قليلاً عن ذلك المكان.. وعاد يحمل بين يديه وردة برية ... نظر
إلى أحلام ملياً، ثم قطع الوردة إرباً إرباً وسحقها تحت قدمه، ومشى
خطوات بعيدة عن أحلام..نادته.. إلى أين؟ فقال لها:
- ألم تفهمي بعد؟ لقد قمت بكل خطوة لأوضح لك مكانتك عندي .. و
أشار إلى بقايا الوردة المسحوقة القـذرة... وقال لها:
أنت بالنسبة لي مثل هـذه الوردة بالظبط .
أحست باللطمات و الصفعات التي وجهت لقلبها المنهك ولجسدها
النازف ، لكنها تمالكت وسألته:
- ماذا تقصد؟
أجاب: أقصد أنني سأتركك هنا.. وحدك!!
قامت بلهفة واتجهت نحوه وقالت: وماذا أفعل هنا؟
أجابها بحزم: ابتعدي عني أيتها القـذرةالخائنة! رفعت صوتها وقالت: بل
أنت الخائن،أنت المخادع، أنت الكـذاب..
ضحك وقال: أكملي فهـذه بعض صفاتك.. أنا لم أخن الأب و الأخ والعشيرة
، ولم أكـذب على أمي وأقنعها بأنني ذاهب للدراسة مع زميلاتي.. أنا
أستعمل الهاتف ليلاً لأصطاد شاباً! أنت صيد أوقع نفسه في الفخ!!
ثم مد يده إلى الشبكة التي كانت معه وقال: أما هـذه الشبكة فليست لك.
سألته بهلع: ولمن إذن؟ قال بهدوء: إنها لفتاة نظيفة، إنها لؤلؤة مكنونة..
خطبتُ طهارتها ونقاءها وعفتها قبل أن أراها بين والدها وإخوتها شامخة
الرأس عزيزة النفس بعيدة المنال، تاقت نفسي لها واشتاق لها قلبي فدفعت
كل ما أملك لها وحدها، فمثلها يستحق ذلك و أكثر.
قالت بانفعال مخنوق: أيها اللص!
اجاب بفتور: نعم! أي خدمة يا أنسة... عفواً..ياسيدة!! أولا تعلمين أن اللص
المحترف يحترم الأمين!
هزت رأسها وقالت بـذل قاتل: أعرف... أعرف...
أشاح بوج عنها وقال: بعد أيام ستدق الطبول و تضرب الدفوف وتنثر الورود وتقدم الهدايا لأني سوف
أزف إلى لؤلؤتي المكنونة!!.. ثم سار بعيداً عنها.
ركضت خلفه.. تبعته.. نادته .. فؤاد!! فؤاد حرام عليك.. إلى من تتركني ..؟
ربما لامست يدها سيارته المنطلقة بسرعة بعيداً فأحست بقشة الغريق
المنجية تفلت من يديها!! لقد تابع مسيره تاركاً صوتها يضج في الفضاء..!
ابتعد أكثر حتى توارى صوتها وشكلها، وتركها نسياً منسياً تنهشها ألسن
المدن و ذئاب الصحارى ...
أختي القارئة الكريمة::
وهكـذا ماتت أحلام ودفنت معها جميع الأحلام الجميلة الآثمة..
ووجدت جثة متعفنة في الصحراء بعد عدة أيام..
ربما توقفت ذئاب الصحارى عن أكلها.. لكن ألسنة المدن اللاهبة
نهشتها وقامت بتشريحها تطوعاً!! ولو تخيلت أيتها القارئة
الكريمة أن أحلام هي إحدى الأصناف المـذكورة أدناه فماذا
سيكون موقفك؟؟
أرجو أن تختاري موقعاً (( لأحلام )) بحسب موقعك الاجتماعي و
الوظيفي، مع التكرم بتوضيح موقفك قبل الحادثة المفجعة عندما
بدأت ملاحظة بوادر السقوط عليها، ثم بعد أن سمعت بالخبر
الأخير المؤلم.
-ابنتك (( لا قدر الله )) .
-تلميـذتك (( لا قدر الله )) إن كنت مدرسة .
-طالبة في مدرستك (( لا قدر الله )) إن كنت مديرة .
-زميلتك (( لا قدر الله )) .
000 شاكرة لك حسن تعاونك 000
الموضوع الاصلي
من روعة الكون