مساكم الله باخير
منقول من جريدة الشرق الأوسط للفايدة.لأستاذي الفاضل/ مشعل السديري
الاربعـاء 26 جمـادى الثانى 1428 هـ 11 يوليو 2007 العدد 10452
رضاء الناس
أغلب الناس لا يقبلون شيئاً ولا يرضون عن شيء.
ولكي أثبت لك يا عزيزي القارئ ذلك، فإليك مثلاً: لو كنت موظفاً في شركة وعملت زيادة على ساعات الدوام، فأنت في نظر البعض تتظاهر بالإخلاص، وإذا خرجت قبل آخر دقيقة في نهاية الدوام، فأنت غير مخلص للشركة، وإذا جاملت الناس فأنت منافق، وإذا صارحتهم فأنت جِلف وليس لديك كياسة، وإذا تأخرت قليلاً عن دوامك فأنت قدوة سيئة، وإذا جئت قبل الوقت اعتبروك (كلب حراسة)، وإذا تحمست لقضاياك السياسية وطالبت بالحرب ضد الأعداء وصفوك بالمتطرف، وإذا دعوت للسلم والركون للعقل اتهموك بالتخاذل والجبن، وإذا لبست الشورت وأخذت تعدو بالشوارع فأنت استعراضي تريد أن تتباهى بقوامك أو أنت لا تستحي من عرض كرشك، وإذا تركت هذا كله وقبعت متكوّراً على كرسيك في بيتك فأنت من حيوانات (البيات الشتوي)، وإذا كنت لطيفاً وليّناً مع مَن يعملون تحت إمرتك فأنت تفسدهم، وإن أنت حمّرت عينك في وجوم وأجبرتهم على الانضباط الشديد فأنت متعجرف، وإذا نظرت إلى النساء نظرة متلهفة فأنت (بصبصاتي)، وإذا أشحت بوجهك عنهن فأنت (معقّد)، وإذا أصبح همّك شغلك (فناموسيتك كحلي)، وإن أهملت (قطعوا ذيلك بالسكاكين الفضة)، وإن أنت أصررت على رأيك بالنقاش على أساس المبادئ التي تؤمن بها اعتبروك متعصباً وعنيداً، وإن أنت أخذت وأعطيت وتساهلت اعتبروك مائعاً و(إمّعة)، وإذا تحدثت مع الناس بصوت مرتفع فأنت لجوج وصوتك يشبه نهيق الحمار، وإن تحدثت معهم همساً بأدب بالغ شبّهوا صوتك بفحيح الأفعى، وعندما تمتدح الآخرين فوراء مدحك ما وراءه من الأحابيل من أجل المكاسب، وإن قلت للأعور منهم أنت أعور في عينك فأنت أخرق لا تفهم (بالإيتيكيت)، وإذا رقصت فرحاً قالوا عليك (فاصخ ومجنون)، وإن كتمت فرحك ولم تهتز أعطافك فأنت عديم المشاعر وبليد، وإن درست وتعبت وحصلت على الدكتوراه قالوا إنه شايف حاله ومتباه بحرف (الدال)، وإن أنت رضيت بحالك ولم تواصل قالوا أنت قليل الطموح وغير متعلم، وإذا كان عمرك كبيراً وتريد أن تعمل قالوا لك إن سنك لا تساعدك على العمل، وإذا كنت شاباً صغيراً قالوا ليس لديك خبرة، وإذا كنت اجتماعياً تلبي الدعوات وتحضر المجالس والمسامرات فأنت أرزقي فاضي (لا شغلة ولا مشغلة) عندك، وإن ابتعدت عن الناس (حالك في حالك) فأنت انطوائي حياتك (تجيب الغم)، وإذا انصرفت للعبادة وأداء السنن وخضت في محاججة الآخرين أطلقوا عليك صفة (المتنطع)، وإذا تباسطت أكثر وابتعدت عن المظاهر وجعلت ضميرك نبراساً لك تكالبوا عليك ووصموك بالمتساهل والمفرط، وإذا كان غرامك هو السفر والمتعة قالوا إنك (تبعزق) فلوسك، وإذا أحجمت عن السفر فأنت (ماء آسن)، وإذا أكلت ما يعجبك ولبست ما يعجب الناس قالوا وهم يسدون أنوفهم (الله يقرفك)، وإذا كان العكس أخذوا يتضاحكون وهم يشيرون إلى ملابسك وكأنهم يشيرون إلى (أراجوز)، وإذا أحببت زوجتك ونفذت أوامرها ونواهيها فأنت (دجاجة)، وإذا (شكمتها) وأوقفتها عند حدها فأنت (سي السيد البدوي) الذي خرج لتوه من القرون الحجرية.
والآن يا عزيزي القارئ لكي تنفد بجلدك، فإنني أنصحك أن تدفن نفسك وأنت لا تزال حياً.
الموضوع الاصلي
من روعة الكون