الحلقة 10
نزل فارس من السيارة وهو حائر من طلب ياسمين ذات الخمار ولكنها طلبت منه ان يجلس في الكرسي مكانها. وركبت هي خلف المقود وامام حيرة وذهول فارس من هذا الموقف ، مع انه لم يعترض ولم يتفوه بكلمة واحدة ، انما ابتسم معجبا بالطريقة اللبقة التي تصرفت بها ياسمين.
ادارت محرك السيارة وقادتها ببراعة فائقة وكانها خبيرة سياقة من عشرات السنين .
- فقال فارس : ياسمين انا لا افهم كيف بتقدري تشوفي من ورا هالخمار الاسود .
- فقالت : اللّي تعود على العتمة والظلام بيقدر يشوف في العتمة والظلام ، فكيف عاد من وراء هالخمار ...من ورا الخمار يا فارس بقدر اشوف الناس على حقيقتها ...!!
- قال : شو وجع هالقلب وحيرة هالدماغ يا ياسمين ، انت حيرتيني معاكي ... انت حلوة ومثل فلقة القمر ومش فاهم ليش لابسه اسود كنك بتجيبي الشؤم مثل الغراب .
- قالت : انا بعرف اني حلوة واحلى من القمر كمان ، بس انا ما بحب يشوفني الا جوزي وابو بناتي .
- قال فارس :متفاجئا ..انت مجوزة يا ياسمين ...؟!
- قالت : لا يا حبيبي انا مش متجوزة بس عن قريب ناوية اتجوزك انت علشان انخلف بنات حلوات يطلعوا لامهم ، ويكونوا احلى من القمر ...
- قال : طيب ما دمت انا اللي حتتجوزيه ورايح اصير أبو بناتك واولادك ، ليش ما تشيلي خمار الشؤوم عاد...
- فقاطعته وقالت : ابو بناتي مش ولادي علشان احنا ما بنحب نخلف اولاد وبعدين احنا ما تجوزنا بعد علشان اشيل الخمار ، وعلشان نتجوز لازم انت توافق تسكن معي ...
- قال : انا يا حبيبتي مستعد اسكن معك وين ما بدك ، ان شاء الله في جهنم ، انت اطلبي وانا بنفذ !!!
- قالت : لا يا روحي خلي جهنم لعيلتك وذكورها ، انا وانت حنسكن في قبر حلو ومرتب.
- قال : ياسمين ...خليني ارتاح ، وقولي لي مين انت وشو حكايتك مع القبور ؟؟؟
- فقالت : في الصندوق اللي طلعتوا بداية الحكاية ، وفي الصندوق انكتب قدري وقدرك واللي بصير لا هو ذنبي ولا ذنبك ، علشان هيك ما تسألنيش كثير ، دور بنفسك فكل شيء انكتب ومصيرك ملعون قبل ما تنولد ولاتلومني على اللي بدو يصير ...لوم اجدادك والعنهم كل حين ...
- قال : انا مش فاهم يا ياسمين كل اللي في الصندوق دبلتين ووثيقة زواج فيها اسماء ، انا شو دخلي فيها، انا لا بعرف جورجيت الشامي ولا بعرف سالم الدهري ...؟
- فقالت : اصلي واصلك من هون ابتدا ...
- قال : يعني انت من عيلة الدهري ؟؟؟
- قالت ياسمين بغضب : ما بشرفنا ننحسب على عيلة الدهري وقذارتها ...
- قال فارس : طيب يا ياسمين بس علشان افهم ، انت مش من عيلة الدهري ..انت من عيلة الشامي ؟!!!
- قالت ياسمين : لا عيلة الدهري ولا عيلة الشامي بتشرفنا ...!!
- قال فارس : معلش يا ياسمين انا عقلي صغير يا ستي ، خذيني على قد عقلي واشرحي لي شو قصدك من ورا كل هالخلبطات ، شو بتقصدي من موضوع اصلي واصلك ، وشو اصلك اذا هو مش من عيلة الدهري ولا من عيلة الشامي ، فهميني وخذيني على قد عقلي.
- قالت : احنا اصلنا من جورجيت ، لا قبل جورجيت النا اصل ولا بعد جورجيت حيكون لنا اصل ولما انا راح اخلف بنت حتحمل اسم جورجيت ، علشان كل بنت من نسل جورجيت مش راح تحمل اسم ابوها ولا ابو ابوها ..حتحمل اسم امها وام امها ، وما بدنا من نسلنا ذكور ومش حنحمل اسم ذكور ، وكل بنت حتحمل معها فخر وشرف جورجيت ودموع وعذاب جورجيت ..وكل بنت حتحملها لبنتها ومن جيل لجيل مش حنشوف شمس ولا نور ما دام في ذكر من عيلة الشامي ومن عيلة الدهري بشوف النور.
وبالرغم من حيرة فارس الا انه ابتسم وقال : يا لطيف على حقد النسوان ، مع اني مش فاهم لهلق شيء ,بس انا فهمت انو في قصة طويلة ، قصة ثار وانتقام من رجال عيلة الدهري والشامي ، اللي هم اصل عيلتك ...طيب انا شو خصني في هالموضوع ، انا لا من عيلة الشامي ولا من عيلة الدهري والحمد لله ,كل عيلتنا معروفة لعاشر جد وجذورها واصلنا معروف ..وهيها اذا بدك شوفيها في شجرة العيلة .... وهلق انا وعيلتي شو دخلنا في هالقصة ...
- قالت ياسمين : دمك من دمهم يا فارس وريحتك من ريحتهم .
وفي هذه الاثناء كانت السيارة التي تقودها ياسمين قد وصلت الى بيت فارس لتطلب منه ياسمين ان يذهب ويرتاح ,واذا اراد ان يعرف المزيد فليبحث بنفسه . نزل فارس من السيارة بعد ان رفضت ياسمين ان تعطيه اية فرصة للنقاش ، ودخل فارس البيت ليتذكر سيارته التي نسيها تماما ، والتي استمرت ياسمين بقيادتها الى جهة مجهولة .
اخذ فارس يضحك بينه وبين نفسه ويتساءل : " هل ستعيد ياسمين السيارة ام ان السيارة ذهبت في خبر كان...؟! "
دخل فارس البيت ليستريح لعله ينسى ما مر به أمس ، وما هي الا ساعات حتى حضرت والدة فارس وبدات بايقاظه من نومه لان على الهاتف من تصر على ان تحدثه لامر هام جدا ، قام فارس وتوجه نحو الهاتف ورد عليه ... ولم يكن يشك للحظة واحدة ان التي تريده هي ياسمين ..
لم يخب ظنه وردت ياسمين وقالت له : فارس ساحضر في منتصف الليل لاصطحابك معي ، انتظرني على باب المنزل .
واغلقت ياسمين الخط دون استئذان او وداع .. ومرت ساعات ثقيلة وبطيئة وفارس يفكر اين ستصطحبه هذه المجنونة في منتصف الليل وأية مقبرة سيزورانها وأية مفاجئة تنتظره ، وفجاة سمع فارس ومعه كل سكان المنطقة صوت " زامور " سيارة متقطعا ومتواصلا بطريقة مزعجة لم يعهدها سكان ذلك الشارع من قبل ، حتى ان معظمهم قد استيقظ على هذا الصوت المزعج ، ومنهم من اخرج رأسه من الشباك ليرى ما يحدث ومنهم من فتح الباب وخرج لاستطلاع الامر .. ويبدو ان حظ فارس التعس جعله الوحيد الذي لم يسمع الزامور حتى دق احد الجيران الباب على فارس .. وفتح فارس الباب وقال له الجار وهو يرمقه بنظرات مريبة
: " في ناس بالسيارة بدهم اياك " ...
احمر وجه فارس خجلا من الاحراج الذي وقع فيه وخاصة ان الزامور العالي المزعج المتواصل لم يتوقف.. وعيون الناس تراقبه وهو يسير باتجاه السيارة مسرعا ليوقف هذا الازعاج ..فتح باب السيارة وصرخ في ياسمين قائلا : فضحتيني ... شو انت مجنونة ؟
ردت ياسمين وهي تضحك : الحق عليك انت .. ما انا اتصلت فيك وقلتلك تستناني على الباب ، وانت ما إستنيت وعلشان هيك انا اضطريت ازمر علشان تطلع وما نتأخر...
- فقال لها : يا مجنونة انت واقفة بعيد عن البيت وانا كيف بدي اعرف انك اجيتي ، وكيف بدك اسمع صوت الزامور؟ هو انت لمين بتزمري...؟!
- قالت له : ما انا مريت من جنب البيت وانت ما كنت واقف علشان هيك ابتعدت عن البيت وصرت ازمر ، بلكي طل واحد عليّ ويروح ينادي عليك .. ولأ بتعرف انا حقولك بصراحة انا شفت الشارع عندكم هادىء وممل اكثر من اللازم ، وحبيت اعمل حركة واغير شوي .. وما صار اشي شوية ازعاج والسلام .
- ابتسم فارس وحث ياسمين ان تتحرك من المنطقة بسرعة ليخرج بسرعة من هذا الجو المشحون بالتساؤلات.
- قال فارس : ياسمين حد شافك ؟
- قالت : قول في حد ما شافني ، كل جيرانك اجو لعند السيارة وسألوني شو في ..؟!
- قال فارس : وشو حضرتك جاوبتيهم ؟
- قالت : بسيطة انا فتحت الشباك وقلتلهم مساء النور ، انا اسمي ياسمين وانا خطيبة فارس ، وانا بستناه علشان نطلع نسهر سوا واتفضلوا معنا ...
- قال فارس : الله يخرب بيتك ، فضحتيني وبكره راح اصير قصة المنطقة ، المهم هلق على أي مقبرة ناوية توخذيني نسهر سوا في هالمناسبة السعيدة ..؟!
- قالت : اليوم انا محضرتلك مفاجئة حلوة كثير ، انا ناوية اخذك على قبر عمتك يا فارس...
- قال فارس : بس عمتي ما ماتت وبعدها طيبة .
- قالت ياسمين : لما نصل بنشوف مين بعرف اكثر انا ولأ انت يا فارس ال... وان كان عندك شجاعة حتفتح قبرها علشان تعرف ان كانت ميتة ولأ طيبة...
اوقفت ياسمين السيارة بجانب احد جبال الجليل الاعلى ، ونزلت منها وطلبت من فارس ان ينزل ..وفعل فارس ذلك ..واشارت بيدها باتجاه الجبل
وقالت : اترى ذلك الجبل يا فارس ...هناك " قبر عمتك "
- فضحك فارس وقال : وهل عمتي " الله يطول عمرها " مدفونة هناك ...ولأّ انت بدك تدفنيها ؟
- فقالت ام الجماجم ياسمين : نعم هناك قبرها ، وهناك دفنت ...فاطلب لها الرحمة ...
- فضحك فارس وقال : ياسمين يا روحي ... انا يا حبيبتي مليش يومين شايف عمتي ؟؟
- قالت ياسمين : اسمع يا فارس ، لقد قلت لك ان عمتك قد ماتت فهذا معناه انها ماتت ..
وان اردت ان تتاكد وتعرف الحقيقة ... فتعال لنصعد لاريك قبرها .
|