ذهبت إلى أهل العلم والخبرة بفنون الحب والعشق وسألتهم عن الحب ، قالوا لها: ناراً مستعرة في قلب تحولت حياة صاحبه إلى جحيم ، سألتهم عن الجنة ، قالوا لها: أضغاث أحلام كل عاشق ، تركتهم وسارت وحيدة تفكر تتخبط في مشيتها ، تلاحقها ذكرياتها ملاحقة الذئب لفريسته إلى أن تسبقها وتقف أمامها حائلاً يمنعها من الاستمرار في الحياة ولو حتى إلقاء نظرة على المستقبل ، فقد أصاب مستقبلها حالة من الشلل التام ، وفي النهاية تستسلم وتقف شاردة الذهن واهنة الجسد متعبة الفكر ، تلقي بنظراتها على حائط ذكرياتها تتفحص كل دقائقها التي قضتها إلى جواره ، تستعيد كل لحظة عاشتها معه ، كل همسة أسر بها كل منهم للأخر ، وشردت كثيراً كأنه حلم أقرب إلى الوهم وقد حان وقت لتفيق منه ولكنها تعاند وتكابر علها تستطيع أن تجبر عينيها على النعاس مرة أخرى لترجع بعقلها إلى هذا الحلم إلى هذا الوهم ولكن لا مفر ، فالغفوة فات أوانها وقد آن لها أن تستعيد واقعها وعقلها ولكنها غير قادرة على مقاومة كل تلك الحروب التي تشتعل في داخلها .
بدأت تسأل نفسها: ماذا لو لم أكن قابلته ، كيف ستكون حياتها الآن لو لم تكن عرفته ، وجلست بالقرب من المذياع لتستمع إلى قصيدة طالما استمعت إليها من العندليب ولم تكن تؤثر فيها مثل اليوم " لو أني أعرف أن البحر عميقاُ جدا ما أبحرت ، لو أني أعرف أن الحب خطير جدا ما أحببت ، لو أني أعرف خاتمتي ما كنت بدأت" واستوقفتها تلك الأبيات الأخيرة ووجدت نفسها تقاوم دمعة تحاول الانفلات من بين أجفانها لتنطلق على خديها ولكن في النهاية تنتصر عليها دموعها وتنطلق منتحرة على وجنتيها ، فقد عرفته وأطلقت لنفسها العنان لكي تقترب منه أكثر وأكثر غير حذرة للنار التي هي مقدمة عليها فصارت كالفراشة التي تقترب من النار إلى أن تحترق وهي الآن تحترق ، اقتربت من ناره أكثر من اللازم وبرغم النار لم تعر ذلك اهتماماً ولم تحتسب لتلك النار التي ألقت بذاتها وقلبها بالاً فقد كان كل شاغلها الشاغل هو أن تقترب وتقترب وهي لا تعرف لهذا الانجذاب سراً .
حدثت نفسها ، كان مجرد اعتياد في البداية ، اعتادت على أن تحدثه ، أن تهمس له بأسرارها ، أن تصرح له بهمومها ، أن تستمع له حينما يبوح بمكنونات قلبه وشكواه من زمن لا يعرف سوى الغدر ولم تكن تعلم أبداً أنه قد يأتي يوما يغدر بها هي ، فكيف تحول ذلك الاعتياد إلى حب ، هل هذا نتيجة لأي تعّود ؟ أم هو محاولته بإشعارها بأنها أقرب إليه من نفسه فطمعت في أن تكون كل نفسه ؟؟؟ ، أم أن السبب هي همسات من حولهم بأن هناك حب خفي يتولد في قلباهما ولا يصرحان به لمن حولهما خوفاً على حبهما ممن يحيطون بهم ؟؟؟ فقد علقت صديقاتها وعلق أصدقاؤه بأن بينها وبينه قصة حب تفيض في قلباهما ، كانا يستمعان سوياً إلى ذلك الحديث ويتضاحكان ويعلنان بأنهما حقاً عاشقان ولكن حب النفس للنفس فهل يكره أحد نفسه؟ فكانا دائماً يصرحان بأنهما واحداً متوحداً فكيف لا يعشق المرء ذاته ؟ ولكنها اكتشفت غير ذلك وأن الحب قد لمس قلبها وبدأ في التوغل ولم تحاول مقاومته من احتلال قلبها ، وبرغم ذلك لم تكن طامعة في أكثر من أن تظل تحبه وشعرت به هو الآخر بما يدور في قلبه من حب لها ولكن لم يصرح أحد منهم للآخر ، لمست فيه كل تصرفات العاشقين الاهتمام اللهفة الشوق الغيرة الرقة الحنان الثورة الغضب ، كانت سعيدة بكل ذلك ولم تكن تأمل في غير ذلك ، وعندما عاود أصدقاؤه وأصدقاءها في إعلانه ملك متوج على قلبها ما عادت تكابر أو تعاند بل أسرت إليهم بأنها حقاً تحبه ولا تبغي سوى حبه ، ولم تكن في الحب طامعة كبقية العاشقين بل كانت تكفيها كلمة (حبيبتي) لكي تجعلها تحلق في سماؤه وتصل إلى أعلى سحابات سماؤه وتتشبث بها لتظل في حياته داعية من الله أن تظل كما هي بقلبه حتى وإن لم يعلن عن حبه وحتى وإن لم تصرح عن حبها .
ولكن لكل حلم نهاية ، ولكل غفوة قيامة وقد حان الوقت ليدق على باب مملكة أحلامها صائد الأحلام لينتشل منها ذلك الحلم الجميل ذلك الوهم البديع وهذا ما لم تكن تضعه في الحسبان ولم تعره طوال الوقت اهتمام فجلست تستمع إليه كعادتها ذات ليلة فعلمت منه أن أخرى دقت بابه أخرى سكنت قلبه ، استشاطت غضباً كأن لها حق الاعتراض وهي لا تملك من أمرها شئ فكيف تريد أن تمتلكه وتستأثر به لنفسها ، قلب لها كل موازينها فتعثرت كلماتها على لسانها ومنحته كثيراً من دعواتها له بالتوفيق ، ولكن هي رأت بعينها سفن أحلامها تتحطم على صخرة الواقع .
غادرته وذهبت عنه ، سارت وسارت وظلت تسير بسرعة تبعد عن مسكنها عن حيها عن دنيتها بأكملها وكأنها هاربة من خطيئة أو فعلة مشينة ظلت تبعد وتبعد إلى أن وصلت إلى مكانها المعتاد على شاطئها المفضل وجلست إلى صخرتها ظلت تبكي ولم تحاول منع دموعها فهي لم تكن قادرة على مقاومة شئ وحتى لو قاومت فهيهات فلسوف تنتصر الدموع في النهاية وانحدرت دون مقاومة وكأن دموعها لغة تشكي بها همومها للبحر وحزنها وكأن بين الدموع والبحر سر يجذبهما للآخر ، ولكن حاولت فقط أن تمنع صرخة تبغي هي الأخرى أن تنفلت من بين أضلعها ، ولكنها أشفقت على شاطئها وميا من أن تخرج صرختها بالنار المتأججة داخلها فتحرق البحر الذي يترامى أمامها ، فاستأثرت لنفسها بالنار خشية أن تخسر شاطئها .
وبعد أن هدأت نفسها قامت وخلفت البحر وراءها لتعاود السير ولكن خطواتها أصبحت متعثرة ، أفكارها مشتتة فهذا ما آلت إليه ، ولم تلم أحد على ما هي فيه الآن فهي حقاً تمتلك غباء الفراشة وجهلها ، فالفراشة تسعد بالضوء القادم من ضوء الشمعة وتحلق حوله فرحة سعيدة وتحاول أن تقترب أكثر وأكثر ولا تشعر بلفحة اللهيب التي هي مقدمة عليه وتقترب وتقترب وتصر على الاقتراب أكثر إلى أن تحترق وتهوي في النهاية جسد بلا قلب بلا عقل بلا روح ، وكيف تصبح مالكة لتلك الأشياء وقد انتزعتها منها تلك النار .
الموضوع الاصلي
من روعة الكون