النداء الاخير للقطار المتجه الي القاهره يتردد عبر الاذاعه الداخليه لمحطه القطار.
بينما كنت اجلس في احدي عربات التي بدت خاليه الا من بعض السياح الاجانب.
اخرجت من حقيبتي صحيفه اخبار اليوم وبدأت مطالعتها بينما القطار يتحرك في بطيء انهيت قراءه الصحيفه فطويتها واعتدلت في جلستي و... فجأه
رأيتها ملاكا رقيقا علي شكل فتاه باهره الحسن ذات وجه ابيض مشوب بحمره خفيفه وعينين زرقاوين .. اين رأيتها؟!
دوي السؤال في ردهات عقلي و.. ساد الصمت .. شردت العيون سبحت في اللامكان , الي الوراء عادت .
الي الذكريات .
توقف لقد تعبت)) سمع ذلك الطفل تلك العباره من صديقته فتوقف لاهثا ))
وما ان لحقت به حتي ابتسم لها في حنان قائلا:
هل تعبتي؟
ابتسمت في رقه وهي تقول :
- معك لا احس بتعب مطلقا.
ارتفع حاجبا الطفل في حنان بالغ مما جعلها تبتسم في حياء, وتشابكت ايديهما وهما يمشيان فوق ذلك الجسر الترابي صوب شجره سنط ضخمه.
جلسا علي احد افرعها, وهما يتحدثان في سعاده بالغه, اوي يتناجيان ان صح القول , لقد نسيا العالم من حولهما ذاب كل منهما في عيني الاخر .
لو قدر لاحد ان يراهما في تلك اللحظه , لرأي الحب في عيونهما. !
وهل يمكن لمثلهما ان يعرف الحب ؟.
نعم .. ولم لا.. انه الحب.
****
عدت الي الواقع , الي عينيها , الي حيرتي فيمن تكون هي ؟
فجأه .. انتبهت اليها .. الي نظراتها لي ..
والتي بدت لي وكأنها تستعيد شيئا من ...!
****
في صباح ذلك اليوم من شتاء عام 1988 وفي نفس المكان اسفل شجره الحب كانت تجلس تلك الطفله وهي تبكي بشده. احست احست بوقع اقدام تقترب منها , فرفعت وجا بحركه حاده غاضبه لتري ذلك الطفل صديقها وهو يقف مبتسما في حنان بالغ.
اشاحت عنه بوجا وهي تهتف في غضب :
ما الذي اتي بك؟
جلس امامها في وقال في هدوء:
جئت لان هذا المكان هو احب الاماكن الي قلبي . ففيه اجلس مع تلك الطفله التي احببتها من كل قلبي.
ومع ان قشعريره بارده كالثلج سرت في جسدها وجعلتها تنتفض الا انها سحبت يدها في عنف عندما احتضنها ذلك الطفل بين راحتيه.
وهتفت في صرامه لاتتناسب مع سنها :
هيا اذهب لتلك الفتاه التي كنت تقف معها امس امام السوبر ماركت فهي حتما اجمل مني و
قاطعها ذلك الطفل وقد ارتفع حاجباه في دهشه عارمه وهو يقول بصوت هامس :
يا الهي انت تغارين؟!
التفتت اليه وهي تقول في حده:
انك لاتفهم شيئا .. انني أ ُحـ....
اختنق حلقها بالكلمات وهي تلوح بكفيها في عصيبه واضحه , ثم لم تلبث ان ارتمت بين ذراعيه وهي تبكي بشده فاحتواها بين ذراعيه وهو يبتسم في حنان قائلا:
لا تغاري من اي فتاه , لاتقارني نفسك بأي منهن ,هل تدرين لماذا؟
وتهدج صوته بشده وهو يقول:
لاني احبك.
رفعت وجا الي عينيه , وابتسمت في رقه وجاذبيه بدت عجيبه علي سنوات عمرها الاثتني عشره و...
يالروعه الحب ..
****
((انها هي))
انطلق ذلك الهتاف من اعمق اعماق قلبي ولم يتجاوز شفتي الا انني احسست بانها قد سمعته فقد ابتسمت في رقه وجاذبيه.
يا الهي بعد كل هذه السنوات .. تردد الصوت في اعماقي , واترك حقيبتي ومقعدي , وأذهب اليها اجلس امامها , عيناي في عينيها .
مهما فعل الزمن فالحب بلق ولن يصبح يوما مجرد ..
****
في ذلك اليوم من صيف عام 1990 جلس ذلك الطفل وصديقته امام المعهد الابتدئي الازهري الذي يدرسان فيه .
كانت هي تبكي بشده وهو حزين للغايه , وقد يبدو هذا غريبا فقد حصلو علي الشهاده الابتدائيه بامتياز .
حاول الطفل ان يقول شيئا الا ان الكلمات اختنقت في حلقه لدقائق , ثم لم يلبث ان قال بصوت مبحوح :
لقد نجحنا فما الذي يدعوك للبكاء .
رفعت اليه وجهاً ممتلئاً بالدموع وهي تهتف بصوت مختنق :
الا تدري ما الذي يعنيه هذا؟
اغرورقت عيناه بالدموع فقد كان يعلم انه طبقا لقوانين التعليم الازهري انه سوف يفترق عنها - وربما للابد.
لذا فقد امسك كفها بين راحتيه واستجمع بقايا شجاعته وهو يقول :
انا اعلم اننا سوف نفترق ولكن ثقي بأني لم ولن احب سواك طوال عمري.
ثم صمت لحظه ادرك فيها ان شجاعته سوف تخونه وقال :
وثقي ان الله سوف يجمعنا , وان لم يكن لنا نصيب أن نلتقي فالوداع.
قالها وترك يديها وابتعد عنها بسرعه قبل ان تخذله شجاعته خاصه , وهو يشعر بأنه ترك معها قطعه من جسده..
لقد ترك معها قلبه...
****
الي هنا توقفت الذكريات .
وتماسكت ايدينا واشتد تماسكها , ونحن نتبادل حديث الحب بالنظرات
همست قائله :- تسع سنوات.
اكملت بنفس الصوت الهامس : وشهران واحد عشر يوما ..
إنه حلم, زادت ابتسامتها وصوتها همسا وهي تقول :
حتما هو حلم .
احتضنت كفها بين راحتي وانا اقول :
كنت واثقا بأن الله سوف يجمعنا , ثم شملنا الصمت, وقد اشتعلت في القلوب نيران الحب لم تنجح كل هذه السنوات علي اخماده في قلبينا.
واشتعلت واشتد اشتعالها حتي انفجرت .
انفجرت علي شكل صرخه فرح , اطلقناها معا , وكل منا يقفز واقفا محتضنا الاخر , وابتسم السائحون لهذا المشهد المألوف لديهم , اما نحن فقد نسينا العالم من حولنا .
وذاب كل منا في احضان الاخر , و....
مضي بنا القطار.
حقاً ..
لقد كنا وما زلنا .. اطفالاً...
النهايه
الجندي المجهول
الموضوع الاصلي
من روعة الكون