(( إعادة صياغة للقصة المشهورة بائعة الكبريت مع اضافة درامية ))
طفلة قد أنهكـها التعب تلهث وراء رجال ونساء
أناملها الصغيرة تحمل علبة كبريت ولسان حالها نداء
سيدي اشتري من علبة كبريتاً ! أنا أبيع كبريت للشتاء
أرجوك اشتر مني كبريتاً فلم أبع شيء اليوم وأخشى أن أنام بلى عشاء
الكل يتجاهلها ! فمن هذا المجنون الذي سيقف للحظة
تحت هذا الصقيع حتى وإن وقف يشتري كبريتا
قدميها قد هدها التعب وجنتيها حمراء كحبات عنب
عينيها الجميلتين تتلألىء ببريق براءة وذبول وتعب
وقفت تتأمل المارة ! كلهم قد ادثروا تحت ملابس الشتاء
وهي بالكاد تلبس فستان بالي ممزق أشلاء
جلست على الرصيف
اقترب الليل
وبدء الظلام يخيم على المدينة
تدريجياً بدء المارة ينسحبون لمنازلهم
وبقيت هي وحيدة تتأمل سقوط الثلج على الطريق
وكل قصر وبيت عتيق .
تهب ريح باردة جدا جدا تتلاعب بشعرها الأسود
وتنثره على كتفيها فبدت جميلة تأتلق كحبات البرد
شعرت بالجوع فقررت أن تذهب لتتسول الطعام
حملت سلتها المليئة بعلب الكبريت ومضت على الطريق العام
وصلت إلى مخبز
اقتربت من الباب فتحته أو كادت ...
ماذا تردين أيتها المتسولة ؟؟؟ بادرها صاحب المخبز
سيدي أنا جائعة أعطني خبزه !!
هل لديك نقود ؟؟
لا ..ليس لدي نقود
ابتسمت ببراءة وقالت :
أنا أبيع كبريت أتشترى من كبريت ؟؟
لا حاجة لي بكبريت هي اغربي عن وجهي
يصفق الباب بقوة تسقط بائعة الكبريت على الثلوج
وتبدأ المشي من جديد دون هدف
دون هدف هذه المرة
ها قد انتصف الليل
والبرد يشتد وبكل متسكعا منه الويل
تجلس بائعة الكبريت على أحد الأرصفة !
وتتقوقع على نفسها لتحميها من هذا الصقيع
أتتها فكرة
لماذا لا تشعل أعواد الثقاب لتتدفأ بها ؟
تمتد يديها الصغيرتين إلى تلك السلة الممتلئة بعلب الكبريت
تأخذ واحدة وتبدأ رحلة الاشتعال والانطفاء
تشعل عودا ..
ياااااااااه ما اجمل الدفء
رغم أن العود ما لبثت أن انطفأ
تشعل عودا أخر .. تمعن النظر في اللهب
هذا اللهب الذي تارة يأخذ الحياة بناره
وتارة يهب الحياة بدفئة !! أي تناقض هذا؟
ينطفئ العود
وتشعل أخر
تتأمل فيه
ضوء
دفئ
تضع يديها حوله
تشعر بالدفء يسري في جسدها
دقيقة
بل اقل .. ينطفئ
تأخذ أخر
تشعله
ينكسر بيدها
ترميه
تأخذ أخر .. لا تنكسر أرجوك - لسان حالها -
فمازال الليل في أوله .. والصبح بعيدا أمله
يشتعل
تتدفأ .. ينطفئ ..تبكي .. تبتسم
الأمل .. مازال موجودا .. فهناك الكثير من علب الكبريت
فلم يشتري أحد منها علبة كبريت
تشعل عودا أخر
و أخر
و آخر
تنطفئ كلها حين يحترق كلها
ليس بعضها
بل كلها
يكاد يحرق يدها
لا تهتم
كل همها أن الدفء يسري في أوصالها
وهكذا .. من عودا لأخر
من أمل لأخر
يأس
أمل
سحقا حين يكون الأمل في عود ثقاب
واليأس في انطفاءه
لا يهم
هي تشعر بأنها سعيدة
لأول مرة
هناك أمل .. جميل الإحساس بالأمل
ترى في عود الثقاب ولهبه صدر أمها التي ماتت منذ سنين
قبل أن تبلغ هي عامها الأول
دفأ صدر أمها !!!
آآآه كم هي تتمنى أن ترى صورة أمها على مرآة اللهب
لكنه ينطفئ بسرعة
فلتجرب أذن أن ترى أبيها الذي مات في الحرب
وأي حرب !! حرب ضروس
سلبت منها أباها وجعلتها مشردة بين الأزقة والبيوت
أشعلت عودا ..تمتمت .. أريد أن أرى صورة أبي
لا شيء يذكر! غير عود ثقاب يحترق ويحترق
و.... ينطفئ
لا يهم ... لدي الكثير من علب الكبريت
هكذا قالت لنفسها حين اليأس ألما بها
وهكذا
بقيت تلك الطفلة تشعل عودا وتطفئ عود
وتنتظر شيء ما شعرت به يسري في هذا الجمود
والأمل في رأيت أمها وأبيها في اللهب يذهب تارة ويعود
مع انطفاء واشتعال كل عود
لكن ما الذي تشعر به يسري في جسده ويسحب منها الصمود؟
تشعل عود بسرعة اكثر من المعهود
فهناك شيء يتربص بها قاسياً كالجلمود
أنه الموت بردا على أرصفة الحياة
فسبحان الله المعبود
في الصباح
تشرق الشمس وتذوب الثلوج
ويخرج الناس مبتهجين أخيرا
فقد اصبح الجو صحواً والكل قد تفاءل خيرا
وهناك
على أحد الأرصفة
جثة طفلة صغيرة
وبجانبها علب كبريت كثيرة
و أعواد ثقاب محترقة تحكي موت طفلة
كانت بالأمس حية ترزق
وكانت ستبقى لو لا قسوة البشر
فماذا يعني ثمن علب كبريت
أمام حياة طفلة قتلها البشر ؟؟
أيها السادة / من لا يرحم لا يرُحم
==============
ملاحظة :
القصة العالمية بائعة الكبريت للكاتب :
Hans Christian Andersen
كتبها سنة
(1846)
الموضوع الاصلي
من روعة الكون