السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صلى على محمد وعلى آله وصحبهـ أجمعين
إن الذي يرجع البصر في بلاد المسلمين وهي تستقبل شهر رمضان في هذه الأيام، يجد بوناً شاسعاً بين ما نفعلهـ في زماننا من مظاهر استقبال شهر رمضان، وما كان عليه النبي صلى الله عليهـ وسلم وأصحابهـ رضي الله عنهم.
وإن القلب ليملي على البنان عبارات اللوعة والأسى .... فيكتب البنان بمداد المدامع.... وينفطر الجنان من الفتن الجوامع!
فالسلف رحمهم الله كانوا يدعون الله تعالى ستة أشهر حتى يبلغهم رمضان .... فإذا بلغوهـ اجتهدوا في العبادة فيهـ .... ودعوا الله سبحانه ستة أشهر أخرى أن يتقبلهـ منهم.
أما أصحاب الفضائيات والإذاعات في زماننا؛ فإن معظمهم يستعد لرمضان قبل مجيئهـ بستة أشهر بحشد كل (فِلم) خليع، وكل (مسلسل) وضيع، وكل (غناء) ماجن للعرض على المسلمين في أيام وليالي رمضان؛ لأن (رمضان كريم) كما يعلنون!!
ولسان حالهم يقول: شهر رمضان الذي أنزلت فيه الفوازير والمسلسلات!!
ولأن الشياطين تصفد وتغل في شهر رمضان.... عز على إخوانهم من شياطين الإنس الذين يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون ! عز عليهم ذلك فناوؤا دين الله تعالى وناصبوهـ العداء....وأعلنوا الحرب ضدهـ في رمضان بما يبثونهـ ليل نهار على مدار الساعة على كثير من الشبكات الأرضية والفضائية!
وقبل دخول شهر رمضان بأيام .... إذا ذهبت(ي) إلى الأسواق والمتاجر والجمعيات ستجد الناس يجمعون أصنافاً وألواناً من الطعام والشراب بكميات كبيرة.... وكأنهم مقبلون على حرب ومجاعة.... وليس على شهر التقوى والصيام!
فأين هم مما يحدث لإخوانهم المسلمين المشردين في هذه الأيام؟!
وما إن تغمر نفحات الشهر الكريم أرجاء الدنيا.... حتى تنقلب حياة كثير من المسلمين رأساً على عقب.... فيتحولون إلى (خفافيش) فيجلسون طيلة الليل يجلسون أمام الشاشات، أو يجوبون الأسواق والملاهي والخيام الرمضانية والسهرات الدورية .. ثم ينامون قبل الفجر! وفي النهار نيام كجيف خبيثة!!
وعلى الرغم من أن معظم حكومات الدول الإسلامية تقلل ساعات العمل الرسمي في رمضان وتؤخر بداية الحضور.. إلا أن السواد الأعظم من الموظفين والعاملين ينتابهم كسل وخمول وبلادة ذهن.. ويعطلون مصالح البلاد والعباد.. وإذا سألتهم قالوا: إننا صائمون! وكأن الصيام يدعوهم للكسل وترك العمل..وهي فرية يبرأ منها الصيام براءة الذئب من دم يوسف عليهـ السلام! فما عرف سلفنا الكرام الجِد والنشاط والعزيمة والقوة إلا في رمضان.. وما وقعت غزوة بدر، وفتح مكة، وعين جالوت، وفتح الأندلس، وغيرها إلا في رمضان.
والدراسات العلمية الحديثة أثبتت فوائد جمة للصيام .. فلماذا –أيها الموظفون – تتهمون الصيام بأنه سبب كسلكم وخمولكم؟!
آهٍ من لوعة ضيف عزيز كريم بين قوم من الساهين الغافلين!
وإذا أردت(ي) أن تبكي(ن).. فاذرف(ي) الدمع مدراراً، وأجر(ي) الحزن أنهاراً على الإعلانات التي تدعوك(ي) عبر وسائل الإعلام المختلفة إلى الاستمتاع بتناول السحور والتلذذ بمذاق الشيشة –النارجيلة- على أنغام المطرب , ورقصات الفنانة .. في الخيمة الرمضانية بـ ..!!
وإذا سرت(ي) بعد منتصف الليل في رمضان في أي مدينة إسلامية سترى عجباً عجاباً لو ترى عيناك(ي)! سترى(ن) المحلات والأسواق مفتحة الأبواب، وسترى(ن) العارية وذات الحجاب، وأصوات اللهو والأغاني تأبى أن ترتفع فوق السحاب ، والمعاصي عياناً جهاراً، وانقلب الليل نهاراً!
فأين أين أرباب القيام؟! أين المحافظون على آداب الصيام؟! أين المجتهدون في الصيام والقيام؟! أين المجتهدون في جنح الظلام؟! فشهر رمضان مضمار السابقين، وغنيمة الصادقين، وقرة عيون المؤمنين .. وأيام وليالي رمضان كالتاج على رأس الزمان، وهي مغنم الخيرات لذوي الإيمان .
فطوبى لعبد تنبهـ (ت) من رقادهـ (ا) .. فيا غافلاً(ـةً) عن شهر رمضان اعرف(ي) زمانك ..
يا كثير(ة) الحديث فيما يؤذي احفظ(ي) لسانك .. يا متلوثاً(ـةً) بأوحال الفضائيات والجلسات اغسل(ي) بالتوبة ما شَابك(ي)!
إن إدراك رمضان من أجل النعم .. فكم غيب الموت من صاحب، ووارى من حميم ساحب .. وكم اكتظت الأسِرة بالمرضى الذين تتفطر قلوبهم وأكبادهم، ويبكون دماً لا دموعاً حتى يصوموا يوماً واحداً من أيام رمضان.. أو يقوموا ليلة واحدة من لياليهـ ، ولكن .. حيل بينهم وبين ما يشتهون!
إن كثيراً من المسلمين في هذا الزمان لم يفهموا حقيقة الصيام، وظنوا أن المقصود منه هو الإمساك عن الطعام والشراب والنكاح فقط !!! أمسكوا عما أحل الله لهم.. لكنهم أفطروا على ما حرم الله عليهم!!! فأي معنى لصيام هذا الذي يقول عند أذان المغرب: (ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله)، ثم يشعل سيجارته!
وأي تقوى لهذا الذي يجمع الحسنات في النهار؛ من صيام وصلاة وصدقة وقراءة للقرآن .. ثم في الليل يصير عبداً لشهوتهـ ..ويعكف على القنوات الفضائية، أو الشبكات العنكبوتية، أو زبوناً في الملاهي الليلية، والتجمعات الغوغائية، والخيام –المسماة زوراً- بالرمضانية؟! وإذا دعي إلى صلاة التراويح والقيام تعلل بالحمى والأسقام، والبرد والزكام، وغواية اللئام!
ورب صائم(ـة) حظهـ (ا) من صيامهـ (ا) الجوع والعطش!
ورب قائم(ـة) حظهـ (ا) من قيامهـ (ا) السهر!
يروى أن الحسن بن صالح – وهو من الزهاد الورعين– كانت له جارية فاشتراها منه بعضهم، فلما انتصف الليل عند سيدها الجديد قامت تصيح في الدار: يا قوم الصلاة .. الصلاة، فقاموا فزعين، وسألوها: هل طلع الفجر؟!
فقالت: وأنتم لا تصلون إلا المكتوبة؟! فلما أصبحت رجعت إلى الحسن بن صالح؛ وقالت له: لقد بعتني إلى قوم سوء لا يصلون إلا الفريضة، ولا يصومون إلا الفريضة فردَّني فردَّها!
وقلت: قلبي يعتصرني خجلاً، ويتوارى قلمي حياءً وأنا أخط هذا الكلام؛ لأن من المسلمين اليوم من ضيع الفروض في رمضان بل و التراويح والقيام!
فيا مضيع(ـةً) الزمان فيما ينقص الإيمان .. يا معرضاً(ـة) عن الأرباح متعرضاً(ـة) للخسران .. أما لك(ي) من توبة؟! أما لك(ي) من أوبة؟! قال تعالى :{ ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق...الايه} ,فقلوب المتقين إلى هذا الشهر تحن، ومن ألم فراقه تئن .. فإلى متى الغفلة؟!
فيا عباد الشهوات والشبهات
يا عباد الملاهي والمنتديات
يا عباد الشاشات والفضائيات
ما لكم لا ترجون لله وقاراً؟!
ولا تعرفون لشهر رمضان حلالاً أو حراماً؟!فيا من أدركت(ي) رمضان .. وأنت(ي) ضارب(ـة) عنه صفحاً بالنسيان .. هل ضمنت (ي)لنفسك الفوز والغفران؟! أتراك(ي) اليوم تفيق(ي) من هذا الهوان؟!
قبل أن يرحل شهر القرآن والعتق من النيران؟! لعلهـ يكون – بالنسبة إليك(ي) ـــ آخر رمضان!
فيا باغي(ـة) الخير أقبل أقبل .. ويا باغي(ـة) الشر أقصر .. أقصر!
واحر قلباهـ ! من لم يخرج من رمضان إلا بالجوع والعطش .. رغم أنفهـ في الطين والتراب من كان رصيدهـ في رمضان من (الأفلام) و(المسلسلات)، وبرامج المسابقات!
فيا من أسرف(ت) على نفسه(ا) وأتب(ت)عها الهوى، وجانب(ت) الجادة في أيامه(ا) وغو(ت)ى .. هاك(ي) رمضان قد أقبل فجدد(ي) فيه(ا) إيمانك، وامح(ي) به(ا) عصيانك ..
فهو – والله – نعمة كبيرة، ومنة كريمة، وفرصة وغنيمة..
فإن أبيت(ي) إلا العصيان .. وملازمة المعاصي في رمضان .. فتوضأ(ي) وكبر(ي) أربع تكبيرات، وصل(ي) على نفسك صلاة الجنازة ..، فإنك(ي) حينئذ ميت(ـه)!!
اللهم بلغنا رمضان أعواماً عديدة، وأزمنة مديدة، واجعلنا فيه من عتقائك من النار.
جزى الله الكاتب خير الجزاء..
...............................................
:icon_mn:
الموضوع الاصلي
من روعة الكون