الحب في الله طوق عظيم من أطواق النجاة ومسلك طيب من مسالك الفوز والسعادة فى الدنيا والآخرة. والحب فى الله لابد ان يكون خالصا من شوائب المصلحة وخالياً من حيل الانتفاع لأنه مرتبط بالله( فى الله ) أى لله ومن اجل الله وبالله وهذا الحب الموصول بالله أقوى وأنفع من أى حب آخر بل إنه اقوى وأنفع من حب النسب والقرابة. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ان لله عباداً ما هم أنبياء ولا شهداء ولكن يغبطهم الأنبياء والشهداء لمنزلتهم من الله تعالى فقال رجل من أصحابه صفهم لنا يا رسول الله فقال هم قوم تحابوا بروح الله على غير أموال ولا أنساب بينهم والله إن وجوم من نور وعلى منابر من نور لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس ".
نعم هو حب مبرأ من المنافع ومنزَه عن المصالح جمع بين آهل السعادة فصار نفعه من أقوى النفع حيث يظهر أثره فى هذا اليوم العصيب يوم الفزع الأكبر والهول العظيم يوم فرار أرحام الدنيا حين ينشغل الإنسان بنفسه لا غير ويتخلى ويهرب من أصوله وفروعه وجميع أقاربه يقول الله سبحانه وتعالى واصفاً هذا المشهد الرهيب " يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ يومئذ شأن يغنيه " ( 34 ـ 37 عبس ) . في هول الموقف هذا نجد هؤلاء المتحابين في الله تعالى فى ظل عرش الله تبارك وتعالى وفى أنواره لا يخافون عند خوف الناس ولا يحزنون مع حزنهم نعم إنهم قد ناداهم ربهم ومولاهم " أين المتحابون بجلالي اليوم اظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي " . إن رابطة هذا الحب أقوى من أي رابطة حتى رابطة القرابة من الدرجة الأولى انها الاخوة فى الله وبالله ولذلك سيجمع الله هولاء المتحابين فيه سبحانه على تلك الرحم الإيمانية فى ظل رحمته . إن هولاء المتحابين فى الله على نسب أقوى ورحم أعظم موصولة لا تنقطع أبدا إنه ( الحب فى الله ). ومن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله كما اخبرنا المعصوم صلى الله عليه وسلم " اثنان تحابا فى الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه " نعم إن المحبة فى الله هي أعظم الأرحام المنجبة فرحم القرابة مصيرها التخلي والفرار ورحم المحبة فى الله مصيرها التجمع والاستقرار تحت ظل الرحمان لأنه حب خالص لوج الكريم . يقول حبيبنا صلى الله عليه وسلم " ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار" ومن كانت هذه صفتة يجب عليه أن يعلم أخاه انه يحبه استجابة لما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا أحب الرجل أخاه فليخبره أنه يحبه " ومن علامات الحب فى الله أن يخلص المرء النصح لمن أحبهم وأن يكثر من زيارتهم والقيام بكل خير نحوهم وبذل المال فيما ينفعهم ففى الحديث القدسي " وجبت محبتي للمتحابين فيَ والمتجالسين فىٌ والمتزاورين فىٌ والمتباذلين فىٌ "ومن هذا الحديث الفدسي المبارك نعلم أن هؤلاء المتحابين في الله يدفعهم هذا الحب إلى أن تكون لهم مجالس مفيدة نافعة مثمرة تحوي من كل يستان إيماني زهرة ذات رائحة طيبة من ذكر الله ودروس العلم ودراسة أحوالهم وقد يرتقي هذا الحال إلى خارجهم فيتباحثون في هموم الناس ومحاولة مساعدتهم والسعي في مصالحهم لأنهم يتجالسون في الله " والمتجالسين في " كما يدفعهم الشوق إلى تلك الجلسات المباركة إلي تكرارها والحرص عليها وبهذا يتم التزاور بينهم " والمتزاورين في " وفي تزاورهم هذا يبحثون أحوالهم فيشعر كل أخ بأخيه فإذا ما أحس أن أخاه محتاجاً سارع في سد خلته بالبذل والعطاء " والمتباذلين في " إن حال الصفاء الروحي الذي جمع بين هؤلاء السعداء نمى فيهم جانب الاحساس العالي والشفافية النيرة حيث يشعر الأخ بحال أخيه دون أن يسمع منه إنهم كما أخبر المعصوم صلى الله عليه وسلم : " ترى المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر " إنهم يعلمون أن " المؤمن مرآة أخيه " يرى فيها محاسنه فيشكر الله عليها ويستزيد منها كما يرى فيها عيوبه فيسارع إلى إصلاحها والتخلص منها فأنعم بهم من أحباب وأكرم به من حب . اللهم اجعلنا منهم واحشرنا معهم بفضلك ورحمتك ياودود يارحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الموضوع الاصلي
من روعة الكون