السلام عليكم
تأملات في حروف القرآن المقطعة
المقدمة:
إن اختيار الله سبحانه وتعالى لأربعة عشر حرفًا من الحروف العربية ضمن الحروف المقطعة في القرآن الكريم ليس عشوائيًا أو من قبيل الصدفة بل لحكمة عظيمة أرادها، لذا قمت بعمل هذا البحث على حرفين من حروف اللغة العربية أحدهما ورد ضمن الحروف المقطعة في القرآن الكريم وهو حرف الحاء، حيث ورد متبوعًا بحرف الميم على الصيغة التالية:(حم) في مطلع السور الآتية: سورة غافر، سورة فصلت، سورة الشورى، سورة الزخرف، سورة الدخان، سورة الجاثية، سورة الأحقاف.
والآخر لم يرد ضمن الحروف المقطعة في القرآن الكريم وهو حرف الخاء، لذلك حاولت جاهدًا في هذا البحث معرفة السبب والمغزى من ورود حرف الحاء دون حرف الخاء ضمن الحروف المقطعة في القرآن الكريم وذلك من خلال معرفة معانيهما ومدلولاتهما، فإن أصبت فمن الله وإن أخطأت من نفسي والشيطان أعاذنا الله وإياكم منه.
المنهج الذي أتبعته في هذا البحث لمعرفة المعاني التي يدل عليها هذين الحرفين -أو أي حرف من الحروف- هو ذكر المواقف والأحوال التي ينطق فيها الحرف مفردًا (دون إضافة أي حروف أخرى له) واستنباط معنى الحرف من الموقف والحال الذي يذكر فيه.
أولاً حرف الحاء:
* الحالات التي ينطق فيها حرف الحاء مفردًا:
1- عندما يهم طفل بلمس جسم حار، نحذره من ذلك بقولنا: أح(1) وكذلك هو ينطقها تلقائيًا عند لمس هذا الجسم الحار
2- عند المشي في الرمضاء حفاة ننطق تلقائيًا: أح
3- عندما نتعرض للفحة رياح حارة نتلفظ بقولنا: أح
أح: حكاية صوت من لمس شيئًا حارًا
ومصدر أح: أحاح وأحيح
والأُحاح ، بالضم: العَطَشُ. والأُحاح اشتداد الـحرّ، وقـيل: الـحزن أَو العَطش. وسمعت له أُحاحاً وأَحِيحا إِذا سمعته يتوجع من غيظ أَو حزن؛ قال:
يَطْوي الـحَيازِيمَ علـى أُحاحِ والأُحَّة : كالأُحاح . والأُحاح والأَحِيح والأَحِيحَة : الغيظ والضِّغْنُ وحرارة الغم، وأَنشد:
طَعْناً شَفَـى سَرائر الأُحاحِ الفراء: فـي صدره أُحاحٌ وأَحِيحة من الضِّغْن، وكذلك من الغيظ والـحقد، وبه سمي أُحَيْحَةُ بن الـجُلاح ، وهو اسمِ رجل من الأَوْسِ، مصغَّر " لسان العرب"
إذا لفظ صوت الحاء مشدداً مفخماً عالي النبرة، أوحى صوته بالحرارة، وبأصوات فيها شيء من الحدّة، وبمشاعر إنسانية لا تخلو من الحدّة والانفعال، أما إذا لفظ صوته كما نلفظه اليوم بحناجر حضارية رخوة مرققاً مرخَّماً، أوحى لنا بملمس حريري ناعم دافئ "خصائص الحروف العربية، حسن عباس"
وهكذا كان الصوت الغِنائي الذي يتصف بخصائص صوت الحاء هو أغنى الأصوات عاطفة وأكثرها حرارة، وأقدرها على التعبير عن خلجات القلب ورعشاته. "خصائص الحروف العربية ومعانيها، حسن عباس"
* الاستنتاج:
نستنتج مما سبق أن حرف الحاء يحمل معنى الحرارة (الحسية والمعنوية) ودفء المشاعر الإنسانية، ولنتأمل بعض الكلمات التي تتضمن حرف الحاء مثل: الحب، الحنان، الحياة، الحديد، الحسام، الحرمان، الحمى، الحميم، الحرارة، الحريق، الحرب، الحسد، الحقد
وهذه المعاني جميلة ومعبرة لذلك ورد حرف الحاء ضمن الحروف المقطعة في القرآن الكريم.
ثانيًا حرف الخاء:
* الحالات التي ينطق فيها حرف الخاء مفردًا:
1- عند ابتلاع طفل لمادة ضارة أو لعبة نحثه على إخراجها من فمه بقولنا: أخ(2)
2- عندما نتذوق أو نبتلع مادة غير مستساغة نلفظها وننطق: أخ
3- عندما نشعر بالتعب والضجر من شيء ما ننطق: أخ
قال ابن دُريد: أخِّ كلمة تقال عند التأوُّه، وأحسبُها مُحدَثة. ويقال إنَّ أخِّ كلمة تقال عند التكرُّه للشيء، وأنشد:
وكانَ وصْلُ الغانيات أخَّا "مقاييس اللغة"
والأَخ : القَذَر؛ قال:
وانْثَنَتِ الرجلُ فصارت فَخّاً، وصار وَصْلُ الغانـياتِ أَخّا أَي قَذَراً "لسان العرب"
كِخْ: اسم فعل بمعنى التقذر "معجم الكلمات الثنائية"
أما إذا لفظ صوته بشيء من الشدة والخنخنة، بعيداً عن جوف الحلق، أوحى بإحساس لمسي مخرش رخو، وبطعم يمجُّه الذوق، ورائحة شمية نتنة، وبإحساس بصري منشاري الشكل وسمعي مخرِّب للصوت، وبمشاعر إنسانية من الاشمئزاز والتقزز. "خصائص الحروف العربية، حسن عباس"
وكأني بالإنسان العربي قد خصص هذا الحرف لمعاني الرداءة والخسة والقذارة والبشاعة في بنيانه اللغوي الفخم الأنيق، على مثال ما تخصص ربة البيت الذكية سلة للنفايات والأوساخ تضعها في زاوية مهملة من زوايا قصرها المنيف، (والخاء هي آخر الحروف الحلقية). لا يغير من وظيفة هذه السلة أن تسهو ربة البيت فتلقي فيها ثلاث عشرة حبة من اللآلئ والأحجار الكريمة مع ما ألقته فيها من القمامة على مر العصور. "خصائص الحروف العربية، حسن عباس"
* الاستنتاج:
نستنتج مما سبق أن حرف الخاء يحمل معنى القذارة والاشمئزاز، ولنتأمل بعض الكلمات التي تتضمن حرف الخاء مثل: خسة، خلاعة، خسارة، خيبة، خرقة، خمر، خدعة، خزي، خمج، خنا،خضوع، خنوع، خرافة، خبل، خمول، خبث، خراب.
وهذه معاني سيئة لذلك لم يرد حرف الخاء ضمن الحروف المقطعة في القرآن الكريم
ويتضح لنا مما سبق بأن اختيار الله سبحانه وتعالى لأربعة عشر حرفًا ضمن الحروف المقطعة في القرآن ليس عشوائيًا بل لحكم أرادها ومنها تعليمنا كيفية اختيار ألفاظنا لمخاطبة بعضنا البعض ولمخاطبة الآخرين
والله أعلم وأحكم
للامانة منقول
الموضوع الاصلي
من روعة الكون